IMLebanon

الزواج المدني الإختياري: طريق حافل بالمطبات

 

الزواج المدني، يُطلّ من زمن إلى زمن على «شعوب» هذه المنطقة، إطلاقة متوعدة مزمجرة لا تلبث أن تبعث ما في الصدور المضمرة إلى الواقع المعلن.

حتى بعد تلطيف عبارة الزواج المدني ومزجها بصفة الإختياري، تبقى هذه العبارة صداحة ردّاحة مضطربة الوقع، وأذكر وأنا في طفولتي الأولى كم كانت فكرة الزواج المدني مرفوضة في معظم الأوساط اللبنانية، وكيف كانت وما زالت فئة تتشاطر على فئة في محاربتها لاعتماد مبدأ الزواج المدني، سواء كان إجباريا أم اختياريا، وكيف كانت دار الفتوى على مدى العقود والعهود السالفة، تصارع بعنف اعتماد أي نوع من الزواج المدني، معتبرة دائما وأبدا، أن الشرع الحنيف هو الاصل والأساس وأنه وما دونه وما خلافه رجس من عمل الشيطان ومخالفة للاصول الدينية التي ترعاها دار الفتوى. وكانت المراجع الدينية المسيحية، أخف اندفاعا في محاربتها للزواج المدني ولو في الظاهر، فكنت تجد الحماس الإسلامي هائجا مائجا، يغلفه موقف أقل اندفاعا وحماسا على الصعيد المسيحي، الأمر الذي كان يخفي أكثر مما يظهر، بل غالبا ما كان يتلطى بالمواقف الإسلامية التي كانت في هذا الاطار صلبة المواقف لا تلين ولا تستكين، ولنا في بيان دار الفتوى الصادر قبل أيام بهذا الخصوص استعراض تاريخي لموقف الدار ولموقف المسلمين التاريخي عموما في قضية الزواج المدني الذي عمدت كثير من الأوساط إلى تصويره كعائق أساسي يحول دون تحقيق مسيرة الحياة المدنية، كما تعتبره حاجزا يعرقل ويؤخر في تحقيق حفظ خطوات أساسية لا بد من تحقيقها للنهوض بالحياة العامة في البلاد وبين العباد.

وأقع الأمر الذي لا بد من الاعتراف به، بأن الانتقال إلى مرحلة تلغي في وضعية الزواج الديني سواه لدى المسلمين أم المسيحيين هي وضعية شديدة البعد عن الواقع، سلوا في ذلك محاولة الرئيس الهراوي الشهيرة التي تشاطر مستفردا من خلالها بوضعية اتخاذ القرارات المصيرية وقد أصدر آنذاك قرارا وزاريا أقر من خلاله بالزواج المدني الاختياري وكان هذا القرار بعد عودة الرئيس الشهيد رفيق الحريري إلى حضور جلسات مجلس الوزراء، قد أقفلت عليه أدراج رئاسة مجلس الوزراء ونام فيها نومة أهل الكهف وما يزال، لا بد للبنانيين من أبناء هذه الأجيال التي أطلت على الحياة في غاية الحماس والتشبث بالأصول الدينية التي ورثوها أبا عن جد وتشبثوا بتفاصيلها تشبثا جعل من مسيرة الحياة في هذه البلد ذات اتجاه واحد في السير وفي العقيدة الدينية، وسيكون من الصعب على فئات هذا البلد وجهاته كافة، التخلص من الجذور العقائدية التي طاولت الجميع ويكفي أن نلاحق ردود الفعل التي طاولت قضية موضوع كموضوع الزواد المدني، سواء الأساسي في أصوله وجذوره، أم الملطف بما أدخل عليه من مسيرات ومهدئات ومسهلات، يكفينا أن نلحظ تفاصيل حياتنا اليومية: كيف أن موضوع الزواج المدني هو وضعية متماسكة يصعب هزهزتها والانطلاق منها إلى مواقع أخرى، يكفي في ذلك أن نستشهد بما سبق ذكره من مواقف للرئيس الهراوي وما تلاها من نتائج أودت بها ايداعا في الأدراج، ويكفي أن نذكر ما اضطر وزيرة الداخلية إلى اتخاذ جملة من المواقع المتناقضة بهذا الخصوص، وبالنتيجة أدى بها تناقض المواقف إلى وضعية لطالما سارع كثير من أهل السياسة والعمل العام، فإذا بالكثيرين منهم يتغلغلون بجملة من المواقف المناقضة التي وضعتهم في مواقف حرجة حملتهم وما تزال انتقادات قاسية من جماهيرهم، وما كانوا بقادرين تحت أي ظرف وأية صفة على الاستعداد باتجاه مواقعهم الأساسية التي انطلقوا منها إلى عالم من الوقائع والحقائق التي سبق لأجيال عديدة أن حاولت إجراء ما أمكنها من تحويلات وتعديلات بصدد أوضاعها، فإذا بالأغلبية الساحقة منهم تعود إلى قواعدها التي كانت عليها، مرتاحة القعدة ومستهلة مسيرة عاشها قبلها أجيال من المواطنين.

مرة أخرى: فلنطالع التفسير الواقعي والتاريخي القيم الصادر بهذا الخصوص عن دار الفتوى، ولنتطلع على تلك الآراء المحتجة والمجابهة التي واجه التي واجه بها ونستنتج بعد ذلك ما نشاء. وفي الطليعة، صعوبة الإيغال في مسيرة الزواج المدني الإختياري.