“الخيار الافضل والاكثر واقعية وجدية لوقف الحرب في سوريا ووضع حد لأوضاعها الكارثية وبناء بلد جديد موحد على انقاض البلد المدمر الممزق وإلحاق الهزيمة بتنظيم “داعش” والارهابيين عموماً، هو خيار رحيل الرئيس بشار الاسد والمرتبطين به عن السلطة وقيام نظام جديد تعددي مختلف جذريا عن النظام القائم ينجز السلام داخليا وخارجيا بالتعاون مع الدول المؤثرة ويحقق المطالب المشروعة لكل مكونات الشعب ويضمن حقوق الغالبية والاقليات ويتصالح مع مجتمعه ومع الدول المجاورة له. ولا مفر من تطبيق هذا الخيار آجلا أم عاجلا لأن كل الخيارات الاخرى والاقتراحات المحتملة البديلة من انهاء حكم الاسد غير واقعية وليست قابلة للتحقيق والتنفيذ ولن توقف الحرب في أي حال أو تقضي على الارهابيين أو تعالج المشاكل الهائلة لهذا البلد، ولن تفتح الصفحة الجديدة المطلوبة في التاريخ السوري”. هذا ما قاله لنا مسؤول اوروبي بارز في باريس، موضحاً ان هذا هو الاقتناع الراسخ لدى المسؤولين الاميركيين والفرنسيين والغربيين عموماً وأيضاً لدى المسؤولين العرب والاقليميين المعنيين بالملف السوري باستثناء الايرانيين. وتوقف المسؤول الاوروبي عند الخيارات المطروحة البديلة من خيار رحيل الاسد وانهاء حكمه فركز على الأمور الآتية:
أولاً، خيار التقسيم: لن يستطيع نظام الاسد العاجز عن استعادة معظم الاراضي والمناطق التي يسيطر عليها خصومه ان يعلن قيام كيان مستقل في مساحة صغيرة من سوريا لأنه لن يلقى اعترافا به من أية دولة باستثناء ايران ربما، ولن يتمكن من حماية هذه الدولة غير الطبيعية وضمان أمنها وربطها بلبنان لأن القوى السورية المتحررة من سلطة النظام ستعلن الحرب على هذا الكيان الصغير وستلقى دعماً اقليمياً وغربياً من أجل اعادة توحيد سوريا في ظل حكم جديد.
ثانياً، خيار اطالة الحرب: لن ينقذ النظام الذي فشل في المعركة مع شعبه المحتج والذي يواجه هزائم عسكرية وسياسية وديبلوماسية واقتصادية ومالية وبشرية انهكت قواته وقلصت قدراته وامكاناته الى ادنى حد فبات أضعف من أي وقت وعاجزاً عن حسم المعركة لمصلحته مهما فعل. وفي المقابل، اكتسب الثوار والمعارضون زخماً اقوى وقدرات عسكرية وقتالية وتسليحية افضل، الأمر الذي سمح لهم بتسجيل انتصارات مؤثرة في المواجهة مع النظام وحلفائه وقت نجحوا في تحقيق انجاز سياسي وديبلوماسي كبير. اذ ان كل قوى المعارضة الحقيقية في الداخل والخارج باتت، وللمرة الاولى منذ بدء النزاع، متفقة علناً ورسمياً على ضرورة انهاء حكم الاسد. وهذا ما اكده مؤتمر القاهرة لقوى المعارضة المنعقد أخيراً في رعاية النظام المصري اذ ان “خريطة الطريق للحل السياسي” الصادرة عنده شددت بوضوح “على استحالة الحل العسكري واستحالة بقاء منظومة الحكم الحالية التي ليس لها ولرئيسها مكان في مستقبل سوريا”. وهذا هو الموقف الذي يتبناه “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” الذي تعترف به أكثر من 120 دولة ممثلاً شرعياً للشعب السوري.
ثالثاً، خيار ارسال المزيد من القوات الموالية لايران الى سوريا لدعم الاسد لن ينقذ النظام ويضمن بقاءه، لأن هذا النظام فقد مناعته الداخلية وخسر المبادرة في قتاله مع خصومه، ويواصل حرباً يائسة في بلد انهكته الكوارث وفي اجواء اقليمية ودولية متناقضة مع حساباته وخططه.
رابعاً، خيار تحقيق تسوية جزئية تسمح بوقف القتال وبقاء الاسد في الحكم موقتاً في انتظار تشكيل سلطة جديدة بديلة، هذا الخيار غير واقعي ولن يسمح بوقف الحرب لأنه مرفوض لدى الثوار والمعارضين ولدى كل الدول الاقليمية والغربية المعادية للأسد وعلى رأسها اميركا.
خامساً، خيار تنفيذ انقلاب داخل القيادة السورية يؤدي الى ابعاد الأسد عن الحكم ويحافظ على النظام بتركيبته القائمة وعلى أجهزته العسكرية والأمنية. هذا الخيار يرفضه الثوار والمعارضون كما ترفضه اميركا والدول المتحالفة معها، لأنه يتناقض مع الشروط الحقيقية لانهاء الحرب وانجاز السلام، إذ ان المطلوب تغيير جذري يؤدي الى قيام نظام جديد بكل مكوناته ورجالاته.
واستناداً الى المسؤول الاوروبي، فإن “الدول الغربية والاقليمية المؤثرة ترى انه ليس ممكناً الانتقال دفعة واحدة وبسرعة من حكم الأسد الى حكم جديد، بل يجب التحرك تدريجاً والبدء بانجاز اتفاق اميركي – روسي – اقليمي – دولي صلب وواضح من أجل تحقيق السلام على أساس تطبيق بيان جنيف وتشكيل هيئة حكم انتقالي من غير الأسد والمرتبطين به تضم ممثلين للنظام والمعارضة الحقيقية وتتسلم السلطة مدة سنتين يجري خلالها ضبط الاوضاع الأمنية وبدء عملية اعادة الاعمار وحل مشكلة اللاجئين تدريجاً وتهيئة الظروف لقيام النظام الجديد من طريق انتخابات نيابية ورئاسية تعددية حرة وشفافة في اشراف الأمم المتحدة يقرر فيها السوريون مصيرهم بأنفسهم للمرة الاولى منذ 1963”.