IMLebanon

خيارات السعودية في مواجهة التدخّل الروسي

رغم الحشود العسكرية الروسية في سوريا وتصميم الرئيس فلاديمير بوتين على حماية نظام بشّار الأسد، لن يكون سهلاً عليه مواجهة خيارات المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي الأخرى الهادفة إلى تغيير هذا النظام لمصلحة المعارضة السورية المشكّلة معظمها من الطائفة السنّية والتي تدين بالولاء للسعودية وقطر، وهما رغم اختلافهما حول نقاط عدة إلّا أنّ أهدافهما حيال سوريا تبدو موحّدة، وهي «رحيل الأسد أو أن يواجه خياراً عسكرياً»، وفق ما صرّح به وزير الخارجية السعودي عادل الجبير على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

لن تقف السعودية وخلفها دول الخليج العربي مكتوفةً أمام مخططات بوتين وطموحاته الكبيرة في سوريا، ولا بدّ أنّها تعدّ العدّة لمواجهة تلك المخططات بشراسة، ممّا سيضع الروس أمام مغامرة محفوفة بالأخطار، إذا أرادوا التورّط عسكرياً أكثر في الحرب.

واللافت أنّ الخطاب الروسي الرسمي يزعم أنّ تدخّله في الشأن السوري يهدف إلى مواجهة الإرهاب، لكنّ الاستراتيجية الروسية تعتبر مروحة «الإرهاب» واسعة ولا تكتفي بضرب تنظيم الدولة الإسلامية، إنّما تشمل أيضاً الفصائل المعارضة بشتّى أنواعها ودرجة تطرّفها أو اعتدالها، ومن المعروف أنّ أكثرية تلك الفصائل تتلقّى الدعم العسكري من السعودية وقطر وتركيا والولايات المتحدة، وبالتالي لن يُترَك هؤلاء لقمة سائغة للدبّ الروسي لمصلحة النظام الأسدي الأكثر اطمئناناً اليوم على وضعيته في ظلّ تمسّك موسكو به، على الأقلّ، علنياً.

فما هي خيارات تصدّي السعودية ودول الخليج العربي لهذا التمدّد الروسي المقلق المتحالف مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية والعراق والنظام السوري، متّخذاً من العراق مركزاً عسكرياً لشنّ ضرباته الجوّية؟

يُدرك صانعو القرار السعودي أنّ إنهاء الأزمة السورية لمصلحة الأسد سينعكس سلباً على الداخل السعودي، إذ ستتفرّغ إيران وروسيا لزعزعة استقرار السعودية، لذلك لن تبخل «المملكة» في تقديم كلّ ما يساهم في صمود الفصائل السورية المعارضة من خلال زيادة دعمها لها بالأسلحة المتطورة كمضادات الطائرات والصواريخ، إضافةً إلى تجنيد المزيد من المقاتلين المجاهدين، ما سيؤدي إلى إلحاق خسائر أكبر بالقوات الروسية في حال قرّرت الانخراط في المعارك البرّية، ولن يكون مشهد عودة عشرات جثث الجنود الروس محمّلة بأكياس إلى روسيا مقبولاً للشعب هناك، الأمر الذي تنتظره المعارضة الروسية للانقضاض على بوتين وسياسته الحالمة باستعادة الأمبراطوية الروسية.

وإن اكتفت روسيا بالضربات الجوّية لـ»داعش» والفصائل المسلحة، فستواجه خطر إصابة المدنيين، كما حصل أمس مع بدء الهجمات الجوّية، وسترتفع أصوات دولية مندّدة بـ»الجرائم» الروسية، وستمارس السعودية ودول الخليج العربي ضغوطاً ديبلوماسيّة لوقف المجازر بحقّ المدنيين الأبرياء، وربّما يؤدي ذلك إلى مضاعفة العقوبات على روسيا أو التسريع بإعلان منطقة حظر جوّي آمنة في سوريا.

ولن تتوانى السعودية عن استخدام ورقة «النفط» في مواجهة التدخّل الروسي، وهي تُعتبر إحدى الدول الرئيسية في سوق النفط العالمية وقد حاولت أن تستخدم السياسية النفطية الراهنة للضغط على روسيا لإجبارها على التخلّي عن دعم الرئيس بشّار.

وإنّ إمكانية تقليص إنتاج النفط ورفع أسعاره تتيح للسعوديين استخدامها كأدوات ضغط على روسيا، وخصوصاً أنّ الكلفة الروسية لاستخراج النفط في القطب الشمالي تتجاوز 120 دولاراً للبرميل. تلك السياسة السعودية النفطيّة ستؤدي إلى تضييق الخناق على روسيا التي بدأت تفقد أهمّ مصادرها المالية (الغاز والنفط) بالتزامن مع العقوبات بسبب الأزمة الأوكرانية.

فروسيا تواجه أزمة اقتصادية عميقة، ونفقاتها العسكرية الحالية غير قابلة للاستمرار، كما تواجه البلاد انخفاضاً ديموغرافيا حادّاً. ولا يمكن لروسيا أن تخوض حرباً في كلّ من أوكرانيا وسوريا، في الوقت الذي تحتفظ فيه أيضاً بقوات في أماكن عديدة من أراضي الاتحاد السوفياتي سابقاً.

ويبقى خيار أخير، إلّا أنّه أصبح مستبعداً بعد التدخّل العسكري الروسي، وهو إنشاء قوّة عربية خليجية تتحالف مع تركيا لمساعدة الثوّار السوريين في العمليات العسكرية بمواجهة «النظام» وحلفائه. لكنّ الروس خلطوا الأوراق وبات هذا الخيار بعيداً من الواقع حالياً.

فبقدر ما روسيا «بوتين» مصمّمة على دعم الأسد، تبدو السعودية وقطر ودول الخليج الأخرى مصمّمة على رحيله أو محاكمته بسبب جرائمه المتزايدة من خلال استخدامه الأسلحة المحظورة دولياً حيناً والبراميل المتفجّرة حيناً آخر.