السؤال الذي يطرح نفسه بعد جولات معارك رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل حول قانون الانتخاب، هو: هل انتهت جولة القلاقل بين «التيار البرتقالي» و«حزب الله»؟ وهل من خسائر خلّفتها؟
الإجابة عن هذا السؤال يقود شكلاً ومضموناً الى التوقف عند وقائع عدة مقرونة بملاحظات عمّا حدث خلال الاشهر الثلاثة الاخيرة، وهي تنقسم الى ثلاث مراحل:
ـ الاولى، وهي الأسوأ في علاقة الطرفين، والمقصود بها مرحلة طرح باسيل قانونه الانتخابي التأهيلي. وفي خلالها جرى لقاء عبر الهاتف السلكي من مكتب مسؤول في «حزب الله» بين الامين العام السيد حسن نصرالله وباسيل. وأثناء الاتصال بَدا نصرالله مستاء وأبلغ الى باسيل انّ المختلط قانون سيئ. بعد ذلك حاول الحزب تجاوز قناة باسيل والعودة الى تقليد الاستنجاد بـ«عون والسيد» لحلّ الامور التي تستعصي عادة بين الطرفين.
لم يكن متاحاً لقاء «فخامة الرئيس» بـ«السيد» لأسباب تتصل بالبروتوكل وبالأمن، فأرسل الحزب وفداً يتّسِم بتركيبة عالية المستوى ليوحي لعون بأنه يستقبل وفداً يمثّل نصرالله شخصياً وليس الحزب فقط.
لكنّ عون تجاهل الإشارة. وخلال هذا اللقاء غير الودّي، لعب عون دور «أبو الهول» بحسب تشبيه احد أعضاء وفد الحزب، ووضع الحزب مرة أُخرى امام باسيل الذي ترك له كل الكلام الذي اتّسَم بلهجة قاسية جعلت رئيس مجلس النواب نبيه بري يلوم الحزب لاحقاً، لأنه أبدى صبراً طويلاً على باسيل خلال اللقاء، خصوصاً حينما قال: «لا أريد ان أسمع بالنسبية».
ـ المرحلة الثانية من الأزمة في العلاقة بين «الحزب» و«التيار» بدأ خلالها المشروع التأهيلي يترنّح، وبَدا الفراغ انه خطر مستبعد ولكنه لا يزال مطروحاً، علماً انّ «حزب الله» أبلغ الى كل من يعنيه الأمر أنه لن يسمح به. في هذه الاثناء وجّه «الحزب» الى التيار نوعين من الرسائل، الأولى تضمّنت نوعاً من الغضب، وتظهّرت من خلال اعتذار نصرالله من طلب باسيل إجراء محادثة هاتفية ثانية معه.
ولكن في الوقت نفسه، وعلى رغم الفتور، حرص الحزب على إبقاء سجل علاقته الاخلاقية مع عون نظيفاً، حيث انه على رغم تباينه مع باسيل، فإنه رفض مناورات عونيين معارضين لباسيل لجَرّه الى فتح مرحلة تنسيق سياسي معهم. وردّ أنّ باسيل لا يزال هو المكلّف من عون تمثيل حالة التيار الوطني الحر بكل أطيافه في الحوار مع «حزب الله».
وعليه، فإنّ الحزب يحاور باسيل فقط في شأن كل ما له صلة بعلاقته بالتيار. قال الحزب انه منفتح للحوار مع كل مكونات الاتجاهات العونية، ولكن ليس على اساس اللعب وراء ظهر القيادة الرسمية للتيار، فأخلاقياً ليس هذا اسلوب الحزب، أضف الى انه مستمر في الحرص على السِمة الاخلاقية التي تطبع علاقة نصرالله بعون.
داخل اجواء المعارضة العونية التي تطرح شعار «نحن عونيون ولكن ضد باسيل»، هناك من تكهّن او جزم بأنّ وراء المشهد الظاهر، لا يوجد خلاف بين باسيل والحزب بل تنسيق خفي. حتى انّ اجواء داخل «القوات اللبنانية» تَبنّت هذا التفسير.
ـ المرحلة الثالثة بدأت بعد قمة الرياض وهي مرحلة إنفراجية من عمر ازمة بين «البرتقالي» و«الاصفر». وصافرة انطلاقتها تمثّلت بامتداح نصرالله موقف باسيل لدى إعلانه، من دون كل وزراء خارجية العرب، عدم معرفته المسبقة ببيان القمة. ومهدت هذه الاشارة لمعاودة اللقاء بينهما.
وحصل اللقاء هذه المرة وجهاً لوجه. ورتّب نصرالله خلاله مقاربته للتفاصيل اللبنانية تحت عنوان رؤيته الثابتة للمرحلة الدولية والاقليمية التي يمر بها حالياً لبنان، ومن عناوينها انّ تطورات المنطقة المتّسِمة بالتصعيد، لن تنعكس سلباً على لبنان، وانّ تسوية التهدئة التي أنتجها انتخاب عون مستمرة، ولن تَمسّها سلبيات التصعيد الاميركي ضد ايران في المنطقة، لأنّ طهران هي الاقوى في الميدان البري سواء في العراق أو سوريا أو لبنان، ما يجعل الاميركي، مع دونالد ترامب وقبله مع باراك اوباما، غير قادر على تجاوز ايران في المنطقة.
ايضاً وايضاً ظل الحزب ينطلق في قراءاته لمواقف باسيل خلال «حروب» قانون الانتخاب، انّ وراءه أسباباً لبنانية وليس خلفيات خارجية. وعليه، فإنّ غمامته الانتخابية قابلة للتفهّم والانحسار، خصوصاً انّ الحزب مع نسبية تؤمّن للمسيحيين والدروز طمأنينة التمثيل، شرط الّا تؤسس لاحتقانات طائفية جديدة.
في احتفال السفارة الايرانية يوم الجمعة الفائت، بَشّر نائب الامين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم الحاضرين بـ«أننا ذاهبون الى النسبية»، وأنّ الحزب كان له الدور الفاعل وراء الكواليس لإنتاج هذا القانون الذي سيأخذ البلد الى مكان جديد. وهذه أبلغ إشارة يستطيع الحزب ان يعطيها عن بصمات نصرالله خلال لقائه باسيل لحسم الأمر في اتجاه الاتفاق على نسبية نقيّة من العلل الطائفية.
منذ البداية ظل الحزب يعتبر انّ أزمة قانون الانتخاب مع «التيار الوطني الحر» يمكن جَسرُها. ولكنّ المشكلة المحتاجة الى معالجة بعد التسوية، تكمن في الاضرار التي نتجت عن الطريقة التي عبّر فيها باسيل عن مقاربته لهواجس المسيحيين، كونها اتّسَمت بفتح اشتباك بين التيار والعهد وبين بري، ما أوحى للحزب أنّ طرفاً ثالثاً نجح في أخذ مناخ البلد الى مواجهة مارونية – شيعية بعد ان كان الانطباع سائداً انّ هناك مواجهة مارونية ـ سنية.
يواجه «حزب الله» و«التيار» في مرحلة ما بعد التسوية على قانون الانتخاب، أزمة ترميم تشوّهات أصابت علاقتهما. والمشكلة الاساسية لا تقع في العلاقة بين رأسي القيادتين. ثمّة مشتركات وإرث من الثقة المتبادلة بينهما تستطيع جَسر هوة الهفوات، ولكنّ المشكلة تقع في انّ علاقة قواعد الحزب بقواعد «التيار» تضررت الى حدّ كبير.
هناك اعتراف داخل «حزب الله» بأنّ صورة السيد نصر الله داخل القاعدة الشعبية المسيحية للتيار العوني فقدت كثيراً من بريقها، والأمر نفسه حصل لصورة عون لدى قاعدة «حزب الله» الشيعية. خلال مهرجان عيد المقاومة والتحرير في الهرمل، بَدا لافتاً انه خلال ترحيب عرّيف الاحتفال بممثّل رئيس الجمهورية سادَ بين الجمهور صمت كامل، ولم يُبد أحد من جمهور الشيعة الحاضرين ايّ اشارة ترحيب.
بينما ارتفع التصفيق لدى الترحيب بحضور آخرين. الضرر وقع على مستوى احتقان الشارعين الماروني والشيعي، وهذه هفوة باسيل التي ستبقى حاضرة في ذاكرة «حزب الله»، من بين كل هفواته الأخرى القابلة لتفهّم دوافعها المحلية وللإصلاح.