IMLebanon

الحلم البرتقالي والاستيقاظ منه

لم يبذل حلفاء الرئيس ميشال عون جهوداً معقدة بغية إيصاله إلى سدة الرئاسة. بمقدورنا اختصار حملتهم الرئاسية بالعناد والانتظار، الانتظار المريب أحيانا. انطوى عنادهم بالطبع على الإيمان المضمر بأن عامل الزمن سيلعب لمصلحتهم. الأمر على قدر من البساطة، الفراغ يعني إعمالاً للتآكل في مؤسسات النظام ويعني تالياً استنفار «تيار المستقبل»، بوصفه «أم الصبي ـ الطائف»، لإطلاق المبادرات الرئاسية. صحيح أن الأمور انتهت إلى تسوية بين التيارين البرتقالي والأزرق، لكن اللقاء تم في النصف البرتقالي من الاصطفاف وليس في أرض محايدة. امتلك عون فضيلة الصبر لينتظر «تيار المستقبل» في نصفه ولم ينجر إلى لغة التنازلات المتبادلة حتى حين حاول «المستقبل» إغراءه بتنازل من قبيل ترشيح ابن بيته السياسي سليمان فرنجية صراحة أو بيته الشخصي شامل روكز همساً.

يبدو الرئيس الحريري كفريسة جريحة مستلقية في سهل السافانا بانتظار المغيب، والسباع التي انتشت برائحة الجرح الغائر تحاول استثمار ضعفها. انتخاب ميشال عون محطة استثمار أولى، والسؤال هو كيف يضمن الحريري أنها المحطة الأخيرة؟ كيف يضمن أنه لن يتعرض للابتزاز على مفارق الملفات الثقيلة التي تنتظره؟ لذلك، يظن الكثير من المحيطين به أن فعلته التسوية هذه أشارت بوضوح الى نقطة ضعف قاتلة في ساحة نزال تتصف بالموارد الضئيلة وباللاعبين الكثر الذين يظنون أن «طائفة» قد سطت على حصص طوائفهم. في مكان آخر، تبدو حارة حريك اليوم، أكثر من أي وقت مضى، عاصمة رمزية للفعل السياسي اللبناني بوصفها مسقط رأس الرئيس ومسقط فاعلية صانع الرئيس على السواء. ربما هي المرة الأولى التي يقرر فيها «حزب الله» صرف مقدراته داخلياً صراحة، وتسييل جزء يسير منها لتأمين عدم انتخاب مرشح آخر غير العماد عون. على مدى ما يزيد عن الـ30 شهراً، وضع الحزب إصبعه في جرح الحريري وثابر على الضغط بثبات، كان متأكدا أن الفراغ لا يمكن أن يكون خياراً حريرياً.

في المقابل، وصل عون إلى بعبدا بسلسلة تفاهمات حكومية. وفي حال إصراره عليها فإنها قد تحوله إلى رئيس باهت يقول كل شيء في لحظة إقليمية منحت كل الأشياء ألواناً حوّلتها إلى مواقف محدِّدة للاصطفاف. لنرَ ماذا لدى العماد عون ليقوله عن الفساد وهل «سيتابع» مسيرة التصدي له؟ ماذا عن قانون الانتخاب العتيد؟ ماذا عن الأزمة في سوريا؟ كل ما سبق هي ملفات ستصبح ملحة في اللحظة التي ينقشع فيها الغبار السحري للاحتفالات البرتقالية الرئاسية. الأرجح أن يُعمّد التيار تحالفه مع «حزب الله» وأحياناً على حساب خطاب تصالحي مع الخارج والداخل. أيضاً، في مكان ما سيعتبر التيار أن حمله «لواء» الدفاع عن حقوق المسيحيين أكسبه الكثير شعبياً وسيصّر عليه تالياً. المشكلة أن هذا الملف هو ولّاد للاحتكاكات بطبيعته لأن «الإستبلشمنت» السلطوي اللبناني لن يتخلى ببساطة عن مكتسباته التي حققها خلال مرحلة الوجود السوري بسبب نص دستوري ما، حتى لو كان نصاً كيانياً مؤسساً يطيب للتيار أن يسميه ميثاقاً.

قريباً، سيصطدم التيار بحقيقة كونه جهة بين جهات، وسيستأنف نضاله وشغبه الذي مكّنه من مراكمة إنجازات صغيرة في الإدارات الرسمية وصولاً إلى سدة الرئاسة. وغير متوقع أن تستمر فترة الغزل اللفظي هذه، لأن الملفات الحارة كفيلة بتفكيك الصمغ الطري والوردي غالباً.