Site icon IMLebanon

استحقاق المجلس السياسي البرتقالي: معركة تبادل أصوات

مهما علا منسوب السجال داخل «التيار الوطني الحر» الذي يفترض أنّه في مرحلة «بناء متأخرة» لهيكليته التنظيمية، أو انخفض، على خلفية الاعتراض على النظام الداخلي الفتيّ، إلا أنّ الأكيد أنّ كل المجموعات العونية، وخاصة تلك المعارضة، انتظمت تحت سقف الشرعية الحزبية التي يرأسها جبران باسيل.

صحيح أنّ أفكاراً من نوع «المقاطعة» لمعت مراراً وتكراراً في أذهان بعض هؤلاء في محاولة لسحب بساط «الشرعية الشعبية» من تحت قدمَي الرئيس الأول بعد المؤسس، لتعرية عهده في انطلاقته، سواء خلال الاستحقاق المناطقي، أو خلال الاستحقاق المنتظر نهاية الشهر لاختيار ستة أعضاء للمجلس السياسي، والذي هو «الذراع السياسية» لرئيس التيار، إلا أنّ خيار الانضباط في قالب الحزب وهيكليته الناشئة، برغم كل العورات التي يشكون منها، عاد وتغلّب على غيره من الطروحات، لتكون المعارضة من القلب، بما تتيحه الآليات الديموقراطية.

هكذا، أقفل يوم السبت الماضي باب الترشّح الى المجلس السياسي الذي ستخاض انتخاباته في 28 الجاري لاختيار ستة أعضاء وفق شروط وقواعد حددها تعميم صادر على القيادة، على أن يقوم رئيس الحزب في مرحلة لاحقة بتعيين ثلاثة أعضاء، الى جانب الأعضاء الحكميين. وقد سجّلت لجنة الانتخابات طلبات 19 مرشحاً على أن تقوم بدرسها لإبداء الرأي فيها، خصوصاً أنّ احتمال رفض بعضها قائم، كما أنّ احتمال انسحاب مرشحين أيضاً قائم، لتكون المدة الفاصلة بين الموعدين هي الهامش المتاح أمام الطامحين لخوض حملاتهم الانتخابية الداخلية، والتي ستقتصر على لقاءات مع الهيئة الناخبة البالغ عددها 312 عضواً.

ويختلف ميزان الترشيحات بين أسماء معروفة عند العونيين ولها تاريخها النضالي، ووجوه جديدة أقله في العمل في الصفوف الأمامية. ومن الترشيحات المتداولة: ميراي ميشال عون، ميشال دوشدرفيان، طوني نصرلله، زياد عبس، ناجي حايك، طوني مخيبر، ايلي حنا، بسام الهاشم، فؤاد شهاب، زياد نجار، جورج نخلة، خليل شمعون، جيمي جبور، رندلى جبور، ميشال ابي نجم، جورج شقير، غسان زاخر، طوني ابي عقل…

في الشكل، سيخوض المرشحون حملاتهم من خلال لقاءات فردية مع الناخبين، وخاصة هيئات الأقضية التي هي الناخب الأكبر، لا سيما أنّ آلية الانتخاب التي حددها التعميم الداخلي الأخير، كرّست مبدأ النسبية في الانتخاب، حيث يصبح لصوت كل عضو هيئة مناطقية، قيمة مضافة يمكن لها أن تغيّر مجرى اللعبة، فيما يحتدم التركيز على هيئات أقضية جبل لبنان كونها الأكبر والأكثر ثقلاً وتأثيراً: كسروان 41 صوتاً، المتن 37 صوتاً، جبيل 37 صوتاً.

في المضمون، لن تشهد المعركة اصطفافاً حاداً بين محورَي السلطة والمعارضة، وبالتالي هي ليست معركة لوائح، على أن تترك الحلبة لكل مرشح ليقوم بواجبه ربطاً بشبكة العلاقات التي نسجها طوال فترة تجربته الحزبية، أو تلك التي سيخيّطها في الأيام المقبلة. لهذا سيكون للمعركة طابع فردي يقوم على مبدأ تجميع الأصوات، لا يخلو من احتمال تبادل الأصوات، خصوصاً بين أبناء الجيل النضالي الواحد، حتى لو اختلفوا تنظيمياً في مراحل معينة.

إذاً، تضمّ باقة المرشحين وجوهاً معروفة بتأييدها لباسيل وأخرى ترفع علناً الخطاب المعارض، ما يعني أنّ الفريق الأخير قرر خوض هذه المعركة ولو أنّ بعضاً منه كان يفضّل إعادة التموضع والاكتفاء بما جرى تحقيقه في الاستحقاق المناطقي حيث وصل قسم كبير من هذا المحور الى المجلس الوطني فيصار الى المقاطعة أو النأي بالنفس عن استحقاق المجلس السياسي، خصوصاً أنّ اعتماد النسبية في المحطة الانتخابية المنتظرة دفع بأركانها الى التفكير أكثر من مرة في احتمال المقاطعة، لا سيما أنّ حسابات الربح والخسارة يوم 28 الجاري، قد تكون متساوية.

ولهذا فإنّ بعض المرشحين من هذا الجانب قد يسحبون ترشيحهم في اللحظات الأخيرة اذا ما تبيّن أنّ ثمن المعركة قد يكون كبيراً، ما قد يخفف أيضاً من حماوة المواجهة ووطأتها.

هكذا، يقول بعض المعارضين إنّهم لو كانوا يعرفون مسبقاً أنّ النظام النسبي هو الذي سيحكم العملية الانتخابية المقبلة، لكانوا خاضوا معارك الأقضية باستراتيجية مختلفة دفعت بهم الى عدم التسليم بتفاهمات أعطت خصومهم أكثر مما يفترض، وتملي عليهم راهناً العمل على تعويض ما خسروه في الأقضية الثقيلة التي سبق وحصّلوها في المحطة الانتخابية الأولى.

في المقابل، يقول المدافعون عن النظام الداخلي إنّ روحية النظام النسبي هي التي تحكم الوثيقة ـ الأم لـ «التيار الوطني الحر»، وهذا الأمر متفاهم عليه بين الجميع. ذلك لأنّه من غير المنطقي أن يتمتع نائب عوني بصوت واحد في المجلس الوطني وأن يتمتع منسق القضاء نفسه بكمّ أكبر من الأصوات. على سبيل المثال، نائب بعبدا له صوت واحد فيما لمنسق القضاء 25 صوتاً، ليؤكدوا أنّ الناخب الأكبر هو هيئات الأقضية لا المنسقون كما صورهم البعض.

ويشيرون الى أنّ النظام الداخلي نصّ على أن يكون التفويض الذي في يدَي المنسق موقّع من أكثرية أعضاء الهيئة احتراماً لنصاب الحضور، إلا أنّه لم ينص أبداً على كيفية احتساب الأصوات، وهنا كان دور التعميم الذي فنّد بوضوح هذه الآلية التي عادت وكرّست النسبية. وبالتالي ليس هناك تضارب بين النصين أو تجاوز للأول من جانب الثاني كما تشكو المعارضة.

وفي مطلق الأحوال، يؤكد هؤلاء أنّ النظام الداخلي ليس منزلاً أو غير قابل للتعديل والتحسين لا بل هو تأسيسي، بمعنى أنّ التجربة هي الوحيدة التي ستحكم عليه بالنجاح والفشل، حيث بمقدور المعترضين أن يلجأوا الى الآليات القانونية للاعتراض على النظام وتعديله اذا أمكن الأمر. ويكشفون أنّ القيادة سجّلت بدورها رزمة ملاحظات على النظام بعد بدء العمل بتطبيقه ويمكن لها أيضاً أن تلجأ الى الوسائل الديموقراطية لتغيير أحكامه.