IMLebanon

تفاوض أمرّ من الحرب

هتافات الشعب يريد… لم تسقط معمر القذافي. الطريق لاطاحة الديكتاتور كان طويلاً ومفروشاً بالاشلاء والانين والاوجاع والدمار. اسقط المعارضون حكم العقيد ولكن كان على الليبيين ان يخسروا كل شيء لشراء اللاشيء. لم يتفق المتمردون على بديل يحل محل المخلوع، تصارعوا على السلطة وتقاتلوا من جديد حتى لم يبق شيء يتقاتلون عليه ومن اجله. فجأة من دون مقدمات انقلبت خشبة المسرح. نزعت المتاريس والحواجز ورفعت اغصان الزيتون وموائد التفاوض، وتحول التراشق بالرصاص والمتفجرات الى تناتش للحصص وتقاسم للنفوذ بلا أمل في استقرار وبناء دولة على اساس المواطنة. هكذا حدث في العراق بعد اقصاء صدام وحزبه وجيشه، فالصراع بين الطامحين الى وراثته لا يزال في ذروته جارفاً معه ثروات البلاد ونفطها ومياهها والموارد كما البشر والطاقات ليجعل أغنى دول الارض قفراً منسياً.

طبخة التسوية الصعبة في سوريا تتسابق مع الصواريخ المنهمرة على رؤوس الآمنين، ولو اتيح للمعارضين ومن يؤازرهم ارغام بشار الاسد على الرحيل طوعاً أو قسراً، فهل يمكن تجنيب من تبقى من السوريين في ارضهم صراعاً أشد هولاً بين الطامحين الى خلافته على الاطلال الباقية من الديار الشامية ؟ هل يكون حظ سوريا افضل من حظ ليبيا والعراق في هذا المجال ؟ وهل يكف هؤلاء عن التآمر على اتباعهم السذج او المغلوبين على أمرهم أو التوسل الى من يتآمر عليهم من الخارج واستدعائهم مجدداً لـ”الاستئناس” بتدخلهم في شؤونهم واتخاذ القرارات عنهم في مواجهة الشريك الاخر في القتال ضد السلطة المنهارة… ذلك انه ما دامت هناك حصص ومحاصصة وما دامت هناك شهوة السلطة ، ستظل النتيجة قبض الريح. وعندما تبتعد السلطة عن طالبيها في ميادين القتال يرضخون للتفاوض من أجل أن تقترب منهم.

الحروب الاهلية ليست حكراً على العرب، دول عدة شهدت حروباً مماثلة لكنها نجحت في استخلاص عبرها وتحويلها الى قوة دفع لشعوبها وحافزا على التمسك بالوحدة. الحرب الاهلية في سويسرا نقلت هذا البلد من التفكك والكانتونات اللغوية والاتنية الى دولة السلام والحياد الاولى في العالم. الحرب الاهلية اعادت الى اسبانيا مكانتها في أوروبا بعد مصالحة الملكيين مع الحمهوريين. الحرب الاهلية ايضا توجت الولايات المتحدة اكبر قوة عالمية بعد جمع شمالها وجنوبها في بوتقة واحدة… أين اذن المشكلة هنا؟ هل نحن شعب لا يتعلم؟ أم المشكلة في جوهر نظرتنا الى الدولة والوطن؟

فقط في هذا العالم العربي نسمع هذا التعبير المخزي المسمى “المحاصصة”، ذلك ان لا وجود ولا مكان ولا معنى لكلمة وطن، لا في أذهان أصحاب السلطة ولا لدى الذين يقاتلون أو يتفاوضون من أجلها.