Site icon IMLebanon

ترتيب المسرح تحضيراً للتسوية

لم يُخطئ الذين وجدوا أوجهَ شبه بين مرحلة عامَي 1988 و1990 والمرحلة الحالية. المرحلة الاولى كانت عسكرية بامتياز، أمّا الحالية فسياسية.

في كتابه الذي حمل عنوان «الرواية المفقودة» روى وزير الخارجية السورية السابق فاروق الشرع بعض الجوانب الاقليمية التي واكبت معركة تحرير الكويت والتي ساهمت في انضاج «صفقة» دخول الجيش السوري الى بعبدا وإخضاع لبنان لوصاية سورية كاملة ومطلقة.

أوجه الشبه لا تكمن بالتأكيد بوجود جيش أجنبي على الاراضي اللبنانية، ولكن من زاوية فرض تسوية سياسية على لبنان في خضمّ المرحلة الجديدة التي تستعدّ لها المنطقة بعد توقيع الاتفاق الاميركي- الايراني.

بوادر كثيرة وإشارات بالجملة أوحَت بوجود تفاهماتٍ كبرى من المفترض أن تنطلق بزخم قريباً جداً. فعدا التطورات الميدانية في سوريا والتي تُشبه الترتيبات المسبَقة، كان واضحاً مركزية موسكو التي صدرت منها مواقف وتصريحات واحدة تخصّ لبنان عن نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف المكلف بالملف اللبناني وصاحب الخبرة الواسعة، وعن الرئيس فلاديمير بوتين الذي عرض ما يشبه خريطة الطريق بالنسبة الى سوريا. لذلك كانت معبِّرة حركة السعودية تجاه روسيا والتي تضمّنت شراءَ اسلحة.

أضف الى ذلك المناخ الجديد الذي بدأت تبثّه الاوساط الديبلوماسية الاميركية حول دنوّ مرحلة المفاوضات وترتيب التسويات في المنطقة وأنّ لبنان قد يشكل بداية لهذا المسار كون ملفه يبقى الاقل تعقيداً قياساً الى ملفات سوريا والعراق واليمن.

السفير الاميركي في بيروت ديفيد هيل كان قد أسرّ إلى الذين التقوه أنّ شهر ايلول قد يشهد انفجاراً سياسياً نتيجة الصراع السياسي الدائر. ونقل البعض الآخر عن ديبلوماسيين اميركيين أنّ شهر تشرين الاول قد يشهد تسوية سياسية في لبنان تشمل انتخاب رئيس للجمهورية، حيث سيكون لسلطنة عمان دور ما في هذا الاطار.

لكنّ الانفجار السياسي بدأ باكراً وهنا يكمن السؤال الأوّل. فقبيل الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء كان المناخ أنّ مسار الجلسة يجب أن يبقى هادئاً مع ضرورة عدم الاصطدام مع وزيرَي العماد ميشال عون.

لذلك بقي وزراء تيار «المستقبل» في موقع هادئ إلّا انه وقبل رفع الجلسة بدقائق طرح الرئيس تمام سلام بند المزارعين ما أدّى الى اصطدام بينه وبين الوزيرين جبران باسيل والياس بو صعب أنتَج خروج سلام متوتراً من قاعة مجلس الوزراء. وجاءت دعوة سلام الى جلسة ثانية هذا الخميس لتؤشر الى أنّ هناك مَن شجّعه على ولوج باب المواجهة منذ الآن.

أحد وزراء «المستقبل» سأل رئيس الحكومة قبيل انعقاد الجلسة عن السبب في استعجال المواجهة الآن بدلاً من تركها الى الشهر المقبل والذي يختزن استحقاق رئاسة الاركان في الجيش… لم يجب سلام.

هناك مَن يعتقد أنّ كلام هيل عن انفجار «ايلول» ربما له علاقة بوجوب الانتهاء من مسائل عدّة أساسية تتضمّن استكمالَ الترتيبات السياسية الديبلوماسية وحيث ستتولّى سلطنة عمان دورَ تأمين التواصل المقطوع بين الرياض وطهران، إضافة الى الانتهاء من ترتيبات ميدانية وهو ما يفسّر معركة الزبداني الآن، حيث سيلي ذلك انهاء وضع جرود القلمون وعرسال على أن ينتهي كلّ ذلك قبل نهاية الصيف.

ويرجح البعض أن يكون استعجال المواجهة السياسية في لبنان هدفه تعقيد الوضع للتعجيل في ولادة التسوية المنتظرة، لعرقلة الترتيبات الميدانية الجارية. وفي دلالة إضافية على وجود «مسودّة» تسوية حول لبنان، الصراع العنيف لكن الصامت القائم حول الرئيس المقبل للحكومة.

فانزعاج الرئيس سعد الحريري من نتائج زيارة سلام الى مصر خصوصاً الى السعودية باتت مسألة معروفة ومتداوَلة في الاوساط السياسية. ذلك أنّ القيادة السعودية الجديدة والتي أضحت علاقة الحريري بها طبيعية بعدما كانت استثنائية، تبدو مرتاحة لسلوك سلام الذي يحظى في الوقت عينه بإشادة اميركية. وفي الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء وقف سلام وحده في مواجهة باسيل وبو صعب ما جعله يخرج عن أسلوبه المرن والصورة التي اشتهر بها.

وهناك مَن يرى أنّ تصاعد الصراع مع عون سيدفع الاخير لوضع فيتو على عودة الحريري الى رئاسة الحكومة انتقاماً له كونه زعيم «المستقبل»، لكنّ عون تحدّث إيجاباً عن «نوايا» الحريري موجِّهاً اتهامه الى غيره.

الصراع الحكومي الذي سيأخذ منحىً تصاعدياً هذا الاسبوع يُمهّد لانفجار سياسي يأمل البعض أن يفتح ابوابَ التسوية، كما أنه يخفي في طيّاته حرباً صامتة على رئاسة الحكومة المقبلة، فيما يأمل عون باندفاعه الى الامام الى هزّ اتفاق الطائف طالما الرئاسة ممنوعة عليه، والذهاب الى صياغة الجمهورية الثالثة وهو شريك اساسي على الطاولة مستنداً ربما الى دعم «حزب الله» الطامح للمؤتمر التأسيسي.

لكن في مصالح الدول الكبرى تبدو الحسابات أشدّ تعقيداً وفوق التفاصيل الصغيرة، ولبنان في هذه الحال تفصيل صغير قياساً الى ملفات المنطقة الهائلة. وبالمناسبة لا بدَّ من قراءة موقف الرئيس نبيه برّي بتأنٍّ وتمهّل وما إذا كان قادراً على السير بسياسته هذه من دون اعتراض «حزب الله» على الأقل.