بعيدًا عن أجواء التهكّم والسخرية التي سادت جزئيًا إثر عمليّة توقيف الإرهابي عمر حسن العاصي، نتيجة عدم ترابط بعض وقائع عمليّة التوقيف كما جرى تسريبها للإعلام، وبفعل الشحّ المُتعمّد للمعلومات الرسميّة بشأنها، بهدف إخفاء أسلوب الرصد والمتابعة للخليّة الإرهابيّة المُكتشفة، أكّد مصدر أمني أنّ الوضع في لبنان دخل منذ بضعة أشهر مرحلة حسّاسة، نتيجة أوامر صدرت من كبار مسؤولي تنظيم «داعش» الإرهابي، بضرورة القيام بعمليات تفجير ضُدّ أهداف عسكريّة ومدنيّة على السواء، وذلك في مختلف المناطق اللبنانيّة وليس في بقع جغرافيّة مُحدّدة، مُشيرًا إلى أنّ «الحرب الإستباقيّة» الناجحة التي تقوم بها الأجهزة الأمنيّة اللبنانيّة الرسميّة، وكذلك عامل الصدفة في بعض الأحيان، كانا وراء نجاة لبنان واللبنانيّين من أكثر من «مجزرة» كانت على وشك الوقوع خلال الأسابيع والأشهر القليلة الماضية! وأضاف أنّ التعامل مع هذا الملفّ بإستخفاف وعن طريق المُزاح هو جريمة بحق أنفسنا كلبنانيّين، قبل أن تكون بحق أي جهة أو طرف آخر، حيث يجب أن يصطفّ اللبنانيّون جميعهم خلف القوى والأجهزة الأمنية، وأن يدعموها، وأن يُشكّلوا إمتدادًا معنويًا وحتى ميدانيًا لها.
ـ «داعش» ينشط في لبنان ـ
وفي المعلومات المتوفّرة أنّ العمل الإرهابي في لبنان، إنتقل من محاولات لضرب أهداف عسكريّة وأخرى مدنيّة في مناطق محسوبة على البيئة الشيعيّة الحاضنة لحزب الله، إلى محاولات لضرب أهداف مدنيّة في مختلف المناطق اللبنانيّة ومن كل الطوائف والمذاهب. وبحسب مصادر مُطلعة على تحقيقات العديد من «الإرهابيّين» الذين جرى توقيفهم في الأشهر القليلة الماضية، فإنّ تنظيم «داعش» دخل على الخطّ بشكل مُباشر، حيث أنّه أدرج لبنان ضُمن الأهداف التي يعمل على ضربها، تمامًا كما يفعل في سوريا والعراق وتركيا، إلخ. وأوامر تصعيد التحرّك جاءت من قبل المسؤول المُكلّف متابعة ملف لبنان في تنظيم «داعش» في سوريا، الملقّب بالشيخ «أبو أنس»، وهو خليفة «أبو الوليد السوري» في هذا المنصب، علمًا أنّ هذا الأخير قُتل بغارة أميركيّة، وكان مُكلّفًا بدوره من قبل «أبو البراء العراقي» بمهمّة التخطيط وتمويل وتنفيذ عمليّات إرهابيّة في الداخل اللبناني، بتعليمات مباشرة من «أبو محمد العدناني»، وهو كبير مسؤولي «داعش» في سوريا. وبحسب هذه المصادر نفسها، فإنّ أسلوب تحرّك «الخلايا الإرهابيّة» يعتمد على مجموعة من الإجراءات التي صدرت «أوامر» واضحة في شأنها من قبل المُشغّلين الخارجيّين، وأبرزها:
أوّلاً: ضرورة تحضير «خلايا» جاهزة للتحرّك عند صُدور الأوامر لها، لكنّ ضمن شبكات مُستقلّة بعضها عن بعض، أيّ أنّ لكل خليّة «رأس واحد» في لبنان، يرتبط برأس واحد خارج الحدود، منعًا لتهاوي أكثر من شبكة في حال حدوث أيّ إختراق إستخباري أو أمني لها.
ثانياً: ضرورة تجنيد عناصر من غير المُشتبه بهم، لكنّهم يدورون في فلك «الإسلاميّين المُتشدّدين»، مع تفضيل أشخاص يُمارسون حياة طبيعيّة وخُصوصًا من غير العاطلين عن العمل ومن غير «الإسلاميّين» المُلتزمين بممارسة شعائر دينيّة مُتشدّدة كإطالة اللحى أو المُداومة على الصلاة، إلخ. وذلك منعًا للشبهات.
ثالثا: ضرورة حجز مجموعة من الشقق المعروضة للإيجار في مناطق لا تُثير الشُبهات، وتحديدًا في مناطق مُختلطة طائفيًا ومذهبيًا، على أن يتمّ الدخول إليها والخروج منها بشكل لا يُثير أيّ مشاكل مع الجيران أو أيّ شُبهات في المنطقة، وعلى أن يتم تجهيزها بما يلزم من ضرورات لوجستيّة لتأمين المنامة لعناصر «داعشيّة» من لبنان وخارجه على السواء، لفترات طويلة دون الخروج منها.
رابعًا: ضرورة التواصل مع تُجار ومُهرّبي الأسلحة داخل بعض المخيّمات وخارجها إذا أمكن أيضًا، لتأمين ما يُمكن الحُصول عليه من أسلحة ومعدّات حربيّة، على أن يبقى التزوّد بالمُتفجّرات منوطًا بعناصر من تنظيم «داعش» تعمل في لبنان منذ مدّة ويصعب إختراقها.
ـ إجراءات مُواجهة «الخلايا الإرهابيّة» ـ
في المُقابل، لفت عميد مُتقاعد كان يشغل منصبًا أمنيًا رسميًا مهمًّا في لبنان، إلى أنّه يُمكن القول إنّ النيّة باتت موجودة حالياً بنقل لبنان، إلى مرحلة الهجمات الإرهابيّة العشوائيّة، عبر أي وسيلة مُتوفّرة أكان بالعبوات الناسفة، أو بالهجمات الإنتحاريّة بالأحزمة الناسفة، أو حتى بإلقاء قنابل يدويّة وإستخدام أسلحة رشّاشة! وأضاف أنّ المُشكلة تكمن في أنّ هذه «الشبكات الإرهابيّة» هي عبارة عن خلايا صغيرة جداً، تتكوّن من «قائد» ميداني يعاونه عدد قليل من المنفّّذين، الأمر الذي يُصعّب من مهمّة الرصد والمُتابعة، ويحدّ من إحتمال الخرق عبر عناصر أمنيّة رسميّة. لكنّ المصدر أكّد أنّ الخطر الأمني ليس جديدًا على الأجهزة الأمنيّة، وبالتالي لا داعي للهلع والخوف، مؤكّدًا سهر الأجهزة الأمنيّة على الإستقرار، وعملها الإستباقي المستمرّ لضرب هذه «الخلايا». وقال المصدر نفسه إنّ الكثير من اللبنانيّين يعتقدون أنّ الإجراءات الأمنيّة تقتصر على بعض الحواجز الثابتة، وعلى بعض المُداهمات التي يسمعون بها في الإعلام. وأوضح أنّ الإجراءات الإستباقية تفوق ذلك بكثير، مُعطيًا أمثلة عدّة:
أوّلاً: تنفيذ العديد من المُداهمات الدوريّة بعيدًا عن الإعلام، خاصة لتجمّعات العمّال في ورش البناء، وفي مناطق بعيدة عن الطرقات العامة، أو مُحاذية للمُدن الصناعيّة، وفي شقق ومباني يتمّ الإشتباه بساكنيها، إنّ من قبل أحد الجيران أو من قبل عملاء الإستخبارات، أو بناء على إعتراف أحد الموقوفين، إلخ.
ثانيًا: تنفيذ عمليّات رصد هاتفي للعديد من الأرقام، تبعًا لحركة إتصالاتها ولوجهتها، وإعتراض إتصالات أخرى بناء على مُعطيات أمنيّة مُحدّدة، بالتزامن مع التحقّق دوريًا وبشكل علني من ساكني بعض المباني في مناطق حسّاسة أمنيًا، لرفع تقارير عن شاغليها.
ثالثًا: توزيع لوائح إسميّة لمطلوبين على الكثير من الحواجز الثابتة، وبمجرّد طلب آمر الحاجز من السائق التنحّي بسيارته إلى اليمين، يتمّ التحقّق من إسمه وأوراقه وفق هذه اللوائح.
رابعًا: مُتابعة ميدانية إستخباريّة لأشخاص مُشتبه بهم، وفق لوائح إسميّة مُحدّدة، وبناء على معلومات او إعترافات أو حتى شُبهات، مع تنفيذ مُداهمات دوريّة للأماكن التي يُشتبه وجودهم فيها.
خامسًا: إقامة حواجز طيّارة مُباغتة بشكل دَوري وفي أكثر من منطقة، وتوقيف العديد من السائقين ليلاً، من باب الإحتياط، حيث يقوم مُراقب أمني بلباس مدني في أوّل الشارع بمُراقبة السيّارات المارة، وبمجرّد عدم الإرتياح لشكل السيارة أو السائق، يتواصل لاسلكيًا مع عناصر إستخبارية في آخر الشارع، لاعتراض طريق السيارة المذكورة والتحقّق من أوراق سائقها وركابها.سادسًا: إختراق الدوائر الضيّقة القريبة من الجماعات المشبوهة بعناصر إستخباريّة من داخل البيئة نفسها، ورفع تقارير دوريّة إلى القيادة العليا عن أيّ نشاط مشبوه أو أيّ معلومات لها قيمة.
وختم المصدر الأمني، أنّه على الرغم من كل هذه الإجراءات والكثير غيرها، يبقى إحتمال نجاح إحدى العمليّات الإرهابيّة واردا في أي وقت، لكنّ العمل على ضرب «الخلايا الإرهابيّة» مُستمرّ، وقد صدرت أخيرًا تعليمات بضرورة تكثيفه لمُواجهة إرتفاع نسبة المخاطر المُتصاعدة، بعد قرار «داعش» باستهداف إستقرار لبنان بشكل مباشر وليس عَرَضًا.