Site icon IMLebanon

المنتجات العضوية… ليست عضوية تماماً!

  

 

الزراعات العضويّة في لبنان، لا تخلو من بقايا مبيدات الآفات، سواء الحشريّة أو العشبيّة. بل إن نسب المبيدات فيها مرتفعة، وتتخطّى أحياناً المعايير العالميّة المسموح بها، بنسب قريبة من تلك الموجودة في الزراعات «العادية». «موضة» البحث عن المنتجات العضويّة، وكلفتها مقارنة بالمنتجات العاديّة، تحتّم على وزارتي الزراعة والاقتصاد «تفتيح العيون» على القطاع وإعادة تفعيل جهاز الاعتماد «المعلّق».

نحو 53 في المئة من المحاصيل التي تباع على أنها عضوية تتضمن بقايا مبيدات بنسب قريبة من تلك الموجودة في الزراعات «العادية»، و15 في المئة منها تتضمن بقايا مبيدات تتجاوز الحدود المسموح بها دولياً. فيما لا يلتزم نحو نصف المزارعين «العضويين» بمتطلبات الزراعة العضوية!

هذه الأرقام بيّنتها دراسة حديثة جرت بإِشراف الهيئة اللبنانية للطاقة للذرية، التابعة للمجلس الوطني للبحوث العلمية. وقد قارنت بين 63 عيّنة من «منتجات عضويّة» وغير عضوية لثلاثة أنواع محاصيل، هي العنب والبرتقال والخيار. العينات جمعت صيف 2018، من منتجات معروضة في السوق أو مباشرة من «مزارع عضوية» في مختلف المناطق. وأُخضعت العيّنات لاختبار مخلّفات 73 نوعاً من المبيدات المرخصّة من وزارة الزراعة.

النتائج أظهرت أن 52.38 في المئة من العيّنات العضوية تحتوي على بقايا مبيدات، و15 في المئة منها تتجاوز فيها بقايا المبيدات الحدود القصوى المسموح بها بحسب معايير الـCodex Alimentarius (الدستور الغذائي) العالميّة والاتحاد الأوروبي. كما تبيّن أن بعض المحاصيل «العضويّة» ملوّثة بأكثر من نوع من المبيدات. في المقابل، أظهرت الدراسة أن 73.33 في المئة من عينات الزراعات العاديّة تحتوي على مخلفّات مبيدات حشريّة، و18,18 في المئة منها بنسب تتجاوز معايير Codex والاتحاد الأوروبي. والمشكلة الأهم التي تواجه المزارعين غير العضويين، تتمثلّ في عدم التزامهم بشروط استعمال المبيدات لجهة النوعيّة، الكميّة المستخدمة، والمدّة الزمنيّة الفاصلة بين رشّها والقطاف.

الدراسة استكملت باستبيان مزارعي الزراعات العضويّة بهدف جمع بيانات حول مدى توافق ممارساتهم مع المتطلّبات والشروط الخاصة بالزراعة العضوية. وقد وافق 27 في المئة فقط من هؤلاء على إجراء الاستبيان الذي أظهرت نتائجه أن 57 في المئة منهم يلتزمون بمتطلبات الزراعة العضويّة، غالبيّتهم (أكثر من 80 في المئة) «خريجّو جامعات لديهم خلفيّة حول مخاطر المبيدات وكيفيّة تطبيق شروط الزراعة العضويّة». ومن بين هذه الشروط استخدام السماد الحيواني لتخصيب التربة (71 في المئة من المزارعين الملتزمين يفعلون ذلك)، واعتماد الطرق اليدويّة في إزالة الأعشاب (64 في المئة)، إلى غيرها من المتطلبات كزراعة الأعشاب العطريّة والالتزام باستعمال المواد الكيمائية الطبيعية المسموح بها.

 

شركات ترخيص خاصة

في السنوات الأخيرة انتقل كثيرون الى تناول المحاصيل الزراعية العضوية هرباً من الاستخدام المفرط للمبيدات في الزراعات التقليدية. إلا أن غياب الرقابة وعدم التزام بعض المزارعين بالشروط المطلوبة يزيدان من القلق حول صدقيّة هذه المنتجات في لبنان الذي وصلت المساحة المخصصة للزراعات العضوية فيه الى 1079 هكتاراً عام 2016، وفقًا لما أوردته «Agence Bio». لذلك، توصي الدراسة بتفعيل دور وزارتي الزراعة والاقتصاد في مراقبة القطاع، وضرورة إعادة توضيح مفهوم الزراعة العضوية للمزارعين، و«التأكّد من أن شركات الترخيص تراقب عمليّة الزرع ككلّ (بما فيها فحص التربة والمياه) وليس فقط المنتج النهائي، للتثبّت من خلوّها من أي أثر لمواد كيميائية مصنعة ومن بينها المبيدات»، بحسب الأستاذة المحاضرة في الجامعة اللبنانية الدكتورة رلى بو خزام التي أشرفت على الدراسة.

 

53 بالمئة من المحاصيل «العضوية» تحتوي على بقايا مبيدات

 

منح التراخيص للمزارع العضويّة، يفترض أن يتم عبر جهاز للرقابة معتمد من «مجلس الاعتماد اللبناني» الذي صدر قانون إنشائه عام 2004 ولم يُشكّل بعد. وفي غيابه، تكتفي شركات المطابَقَة المحليّة الخاصّة بأن تنال اعتماداً من هيئات اعتماد أجنبية، لتمنح التراخيص للمزارعين فيسجّلونها بدورهم لدى وزارة الزراعة. علماً أن الاستبيان أظهر أن 43 في المئة من المزارعين العضويين يحملون تراخيص للزراعة العضويّة. وأن سبعة في المئة ممن كانوا مرخصين سابقاً لا يفكّرون بتجديد الترخيص لاعتبارات عدة متعلّقة بالكلفة المرتفعة، ما يرفع أسعار المنتج العضوي مقارنة بمثيله غير العضوي.

 

شروط الزراعة العضويّة

واستناداً إلى تعريف الدستور الغذائي، تعتبر الزراعة العضوية نهجاً كاملاً «من المزرعة إلى شوكة المستهلك»، لنظام زراعي متكامل «يسعى لتحقيق الاستدامة وتعزيز خصوبة التربة والتنوع البيولوجي، ويحظّر استخدام مبيدات الآفات المصنّعة والمضادات الحيوية والأسمدة الاصطناعيّة والكائنات المعدلة وراثياً وهرمونات النمو». الدراسة أشارت الى أن الزراعة العضويّة تبدأ أولاً بفحص التربة وإراحتها لسنتين قبل بدء الزراعة فيها ليتسنّى لها تنقية نفسها من مخلّفات المبيدات المستخدمة في الزراعات السابقة. وهذا إن لم تكن المبيدات المستخدمة سابقاً «مبيدات مقاوِمة» قد تصل مدة مقاومتها للتحلّل الى نحو 50 سنة وفق التحذيرات العلميّة الحديثة. والشرط الثاني للزراعة العضويّة، فحص المياه المستخدمة للريّ للتأكد من عدم تلوثها وإخضاعها لنظام فلترة بالتحلّل الكامل. إلى ذلك، تحتّم الزراعة العضويّة عدم استخدام مواد كيميائيّة مصنّعة واللجوء إلى طرق بديلة لإزالة الأعشاب والتخلّص من الحشرات. الطرق البديلة تتضمّن إزالة الأعشاب يدوياً، استخدام آلات طحن صغيرة تخلط الأعشاب المفرومة بالرمل وتتحوّل إلى سماد، وتغيير نوع الزراعة كل سنتين. أما إبعاد الحشرات، فيمكن أن يتمّ عبر استخدام الحشرات الجيّدة الكفيلة بإبعاد الحشرات الضارّة (كالدعسوقة، مثلاً، لإبعاد حشرة المنّ)، أو بزراعة الأعشاب العطريّة (مثل الصعتر البريّ والمريميّة…) على أطراف الزرع العضويّ لطرد الحشرات المؤذية، أو باستخدام المبيدات الطبيعيّة التي تتفكّك سريعاً مثل الكبريت.

«مدى توافق بعض المحاصيل الزراعية العضوية اللبنانية مع المواصفات العالمية لهذا النوع من المنتجات العضوية»، هو عنوان الدراسة التي أعدّتها الطالبتان ألين نحاس وساندرين خوري، من كلية الصحة (قسم علوم التغذية) في الجامعة اللبنانية. وقد أشرفت عليها الباحثة في الهيئة اللبنانية للطاقة الذريّة الأستاذة المحاضرة بالجامعة اللبنانية الدكتورة رلى بو خزام، بالتعاون مع الدكتور خالد الهواري من مختبر الملوثات العضوية في الهيئة. وعُرضت النتائج، من بين دراسات عدة، في مؤتمر «أيام البحث العلمي» بنسخته العاشرة، في جامعة القديس يوسف في بيروت الشهر الماضي.

 

 

تنظيم الزراعة العضويّة

عام 2011 صدر قرار وزارة الزراعة رقم 1033 بشأن «تنظيم قطاع الزراعة العضوية»، وتضمّن إلى تعريف الزراعة وشروطها، فصلاً حول «الرقابة وإصدار الشهادات»، يوجب على الوزارة وفق المادة 8 «وضع نظام للرقابة وإصدار الشهادات، يمكن أن تستعين لتطبيقه بجهاز أو أكثر للرقابة أو إصدار الشهادات، على أن يكون معتمداً من قبل المجلس اللبناني للاعتماد أو من قبل مجلس اعتماد آخر عضو في المجلس الدولي للاعتماد. وفي الحالة الأخيرة يتم التصديق عليه من قبل المجلس اللبناني للاعتماد، وأن يكون مسجّلاً لديها ويخضع له المشغّلون». وذكّر القرار (المادة 15 منه) بـ«إتمام العمليات طبقاً لقواعد الإنتاج المشترطة وفقاً للمواصفات القياسيّة اللبنانية (رقم NL724 عام 2003) وملحقاتها وتعديلاتها». في حزيران 2012، أصدرت وزارة الزراعة القرار رقم 542/1 المتعلّق بـ«إنشاء وتنظيم السجّل الوطني للزراعة العضوية» بهدف «تنظيم تسجيل أجهزة الرقابة و/أو إصدار الشهادات والمشغّلين العضويّين في وزارة الزراعة». في آب من العام نفسه، أحالت الحكومة مشروع قانون تنظيم الإنتاج العضوي، إلى مجلس النواب. في أيار عام 2014، أقرّت اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجان النيابية المشتركة، مشروع القانون الوارد بالمرسوم رقم 8605 الرامي إلى تنظيم الانتاج العضوي معدّلاً.

حالياً، توضح وزارة الزراعة على موقعها الإلكتروني أنها تعنى «بوضع الإطار التنظيمي لقطاع الإنتاج العضوي، وتقوم بأعمال المراقبة وإصدار الشهادات شركتان رائدتان هما: IMC Lebanon وLibanCert، تعملان وفق الموصفات اللبنانية والعالميّة»… لكنها في قائمتها الرسمية لأجهزة الرقابة تذكر شركتين: هما IMC وSGS.

 

الجهاز «المعلّق»

 

 

 

وفقاً لموقع وزارة الاقتصاد في لبنان، فـ«إن مجلس الاعتماد اللبناني (COLIBAC)، الذي أنشأ بموجب القانون رقم 572 بتاريخ 11 شباط 2004 (إنشاء مجلس الاعتماد اللبناني)، هو في الوقت الحالي كيان غير ناشط، وغير قادر على لعب الدور الذي تقوم به هيئات الاعتماد في أوروبا وجميع أنحاء العالم في مجال تقييم المطابَقة. وغير قادر على القيام بمهامه المحدّدة بموجب القوانين اللبنانية المتعلّقة بأنشطة هيئة الإعتماد الوطني أو تقييم المطابقة». السبب يعود بحسب الوزارة إلى «التأخّر في تعيين مدير عام وموظفين للمجلس»، فيما توفير الاعتماد في لبنان «يتمّ حالياً من خلال هيئات الاعتماد الأجنبية الموقّعة على الاتفاقيات ذات الصلة»، والمجلس «يحتاج إلى تحديث وثائقه بما فيها دليل الجودة والأنظمة الداخليّة ومهارات المقيِّمين». عدم تشكيل المجلس وتعيين موظّفيه، يحرم لبنان من الاعتماد الإقليميّ، والاعتماد الدوليّ لدى «ILAF» (المنظمة الدولية لاعتماد المختبرات)، مما يجعل أي منتج مصادق من الـCOLIBAC لبنان – لو وجد – مصادقاً عالمياً.