دقّة المعادلة القائلة بأن عدم عقد الجلسة التشريعية ينتج كارثة اقتصادية ومالية عامة، وعقدها ينتج أزمة سياسية خاصة، لا تلغي حقيقة أن لبنان مأخوذ من رقبته أصلاً، رهينة المحور الإيراني، وغير مسموح له، ومنذ عشر سنوات خصوصاً، بأن يعيش في حالة طبيعية، أو حتى شبه طبيعية!
ويكاد الاشتباك السياسي القائم حالياً، أن يضع تلك الحقيقة على الرفّ، وأن يجعلها عَرَضية، وأن يُدخل اللبنانيين في مرحلة فوضوية، تختلط فيها التحالفات ويُعاد النظر في المشتركات انطلاقاً من حسابات لا يمكن الركون لحظة إلى دقّتها وحصافتها وتوقيتها.
ومرة أخرى: قد يكون محقًّا من يبحث عن إعادة تكوين السلطة من خلال قانون انتخابي يُفترض أنه يوصل إلى توازن مفقود (مع أن ذلك ليس أكيداً). وقد يكون محقًّا من يفترض أن ترسيخ أسس العيش الواحد يحتاج إلى إزالة شوائب «الممارسة الدستورية». لكن يغيب (أو يحضر؟) عن ذهن صاحب الغرض والطلب، ان الميزان المكسور في الحالة اللبنانية، يكاد أن يطيح بالجمهورية من أساسها! وان الازدواجية السلاحية التي يمثلها «حزب الله» باعتباره منفّذاً لإرادة خارجية، إيرانية، لا تترك، ولم تترك، طيلة الفترة السيادية الماضية، أي بعد خروج جيش الوصاية الأسدية من لبنان، مجالاً لإنضاج أي مقاربة طبيعية وعادية لموضوع الخلل الذي زرعته تلك الوصاية، وأساءت التصرف حيال اللبنانيين كلهم، بالاستناد إليه وبالسعي الحثيث إلى ترسيخه.
ومفتر مبدئي وأصولي، من يدّعي سعياً الى إصلاح غرفة واحدة في بناء يكاد أن ينهار كله! أو من يفترض أن ذلك الشعار يمكن أن يمر وسط خراب عام وعميم! وأن يتجاهل عامداً متعمداً، أصل المشكلة ويذهب الى تفرعاتها.. وتلك في الإجمال، حالة صاحب الطلب والغرض والشكوى النائب ميشال عون، قبل غيره وأكثر من غيره. باعتبار أنه يتجاهل انخراطه في حلف تحت سقف إيران، وأن هذا الحلف لا يخفي تعطيله عملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ولا يخجل في الإعلان عن ذلك وإرفاقه بـ»الأسباب الموجبة» التي تقول بالسعي الى انتخاب رئيس ملتزم بـ»المقاومة»! وذلك هو المرادف اللغوي، لإنضاج سعي مُعلن للسيطرة على القرار الشرعي اللبناني بعدما أمكن السيطرة بالسلاح، على الشارع اللبناني. وبعدما أمكن بالتعطيل غير الميثاقي (بالمناسبة!) شلّ السلطة التنفيذية ومنعها من الانتاج، حتى في أدنى مستوياته، بل حتى في الشؤون التي تهم كل الناس من دون استثناء.
كان واضحاً منذ اللحظات الأولى التي تلت الانسحاب السوري من لبنان في العام 2005، أن إيران قررت تعبئة الفراغ الوصائي على طريقتها. واستخدمت في ذلك «أساليب» كثيرة، وعملت عبر محورها الذي يقوده «حزب الله» على تيئيس السياديين والاستقلاليين وتنغيص حياتهم بالطول والعرض!.. ومشت في تكتيكاتها التي اعتمدتها عند غيرنا لاحقاً، في العراق واليمن وحتى في سوريا، والقائمة على إنشاء ازدواجية سلطوية تحت سقف دستوري واحد بالاستناد إلى العصب المذهبي والآلة التسليحية.. ومكابر من ينكر أنها نجحت في ذلك، خصوصاً وأن الحرائق الفتنوية الضاربة أطنابها في الدول المذكورة، هي خير دليل على ذلك النجاح!
أزمات لبنان، في العموم والتفصيل، متفرعة من ذلك المعطى المركزي.. وقصور لا يليق بأحد تجاهل الأصل والتلهي بالفرع، والعمل على تحميل لبنانيين آخرين مسؤولية تأزيم مصدره إيران أولاً وأساساً!