IMLebanon

في الأصل والفرع

 

فَتَحَ “حزب الله” نافذة صغيرة أمام بشّار الأسد للإطلالة عبرها مُجدّداً على لبنان، فَدَلق هذا كل مأثوره ومألوفه وعُقَدَه دفعة واحدة محاولاً جعل تلك النافذة باباً كبيراً..

 

“القضية” الهامشية المسمّاة “توزير سنّة حزب الله” هي وليدة قرار إيراني مركزي بداية وتتمة وهدفه خدمة طهران أولاً وثانياً وثالثاً.. وبعد ذلك يبقى الفُتات على المائدة الذي أعطي للأسد. لكن هذا على ما يبدو، وعلى جاري سيرته المتهافتة، ظنّ ويظنّ، وتصرّف ويتصرّف على أساس أنه شريك مُضارب في الوجبة الرئيسية ويحقّ له “الهبش” منها كيفما يشاء! ومن دون أي لياقات! أو آداب سلوك! أو خفر أو حياء!

 

كأنه كان ينتظر هذه الفرصة منذ زمن طويل.. منذ ميشال ساحة وتفجير مسجدي طرابلس! وعندما وصلت إليه من طريق الحزب الإيراني في لبنان، دَاخَ وانتشى وما عاد يرعوي، وراح “يبني” حساباته التوزيرية (بعد النيابية!) على القياس ذاته الذي اعتمده أمنياً وتخريبياً، وفي المخيال المريض تحقيق أهداف عدّة، منها يتصل بخرق الحصار الخانق المضروب عليه إقليمياً ودولياً، ومنها (بكميات أكبر!) إستئناف محاولات كسر المكوّن الوطني المعارض والمعادي له، وفي أساس ذلك المكوّن السنّي العام ورمزه الأول الرئيس سعد الحريري.. والركّ الدائم، وفي كل الحالات على “معاقبة” اللبنانيين في جملتهم على كل شيء! “حلفاء” أو “أصدقاء” أو أعداء! تارة من خلال العمل على رَفْد التوتر السياسي المُستدام بمواد مُشعِلَة كافية لتفجير الدنيا وما فيها! وتارة من خلال التمترس وراء مواقف كيدية نافرة وفظّة وأضرارها عامة، في شأن قضية عودة النازحين مثلاً! أو في شأن التصدير عبر معبر النصيب! أو في شأن الالتزام الشرعي اللبناني بالمعايير الشرعية العربية والدولية وعدم الاستعداد لخرق “القرارات” الرسمية المتخذة على ذينك المستويَين وخصوصاً في شأن حضور أو مشاركة السلطة الأسدية أو بقاياها في المؤتمرات والمنتديات المرتبطة بالجامعة العربية.

 

بالمعنى العام، يجوز الافتراض أن هناك تمايزاً لا يُنكر بين أجندتي الأسد، من جهة، وحُماته الإيرانيين من جهة ثانية، إزاء “الحالة” اللبنانية… تمايز يتصل بالتفاصيل أكثر من الاستراتيجيات، لكنها تفاصيل رئيسية وليست هامشية ولا بسيطة! خصوصاً منها لجهة “حرص” “حزب الله” على سقف مُحدد للاستقرار الداخلي بما لا يُشغل باله بعيداً عن أدواره الخارجية “الكبرى”! وبما يخفّف عنه تداعيات وانعكاسات التأزم الإيراني. وبما يُريح جمهوره و”الآخرين” استطراداً. وبما يسمح له بممارسة دوره المتقدّم عن غيره في اللعبة السياسية المحلية والتحكّم بمزاجها العام وفقاً لأجندته العاملة في خدمة الأسياد والأولياء في طهران!

 

لكن ذلك في جملته لا يخفّف من وقع المسؤولية التي يتحملها عن التأزيم الحاصل تفصيلاً وجملة! باعتبار أن موقفه الإيراني الدافع إلى كربجة التشكيل الحكومي والعودة إلى اعتبار التعطيل ورقة ذات قيمة في يد إيران، هو الذي استند ويستند إليه الأسد وبقاياه! وهو الذي سمح باستشراء كل هذا التهتّك في الأخلاق والسياسة! وهو الذي فَتَح طريقاً لعودة النفخ في كير الفتنة وتنوّرها الحامي أصلاً! وهو الذي سمح بضخّ المزيد من التوتر الميداني الخطير! وهو الذي يضع اللبنانيين مُجدّداً وتكراراً على تماس مع انهيارات غير مسبوقة اقتصاياً ومالياً و”شرعياً” ومعنوياً! وهو الذي يستأنف محلياً المعادلة ذاتها التي تعتمدها إيران إقليمياً والقائمة على الاستثمار في الأزمات لتحقيق الغايات! وابتزاز دول وشعوب وحكومات بأمنها واستقرارها لتمرير وتنفيذ غايات خاصة وأنانية بغضّ النظر عن الأثمان بشرياً ومادياً!

 

.. وئام وهاب تفصيل أسدي على هامش الصفحة الإيرانية. سوى أنه “تفصيل” يكاد بسواده أن يمحو أي بياض في تلك الصفحة.. هذا إذا كان فيها شيء أبيض في الأصل!!