يمرّ الفصح على الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الشرقي من دون بهجة مثل سابقه لدى الطوائف الغربية، فالخلافات السياسية وعقدة تشكيل الحكومة والسير نحو المزيد من الانهيار والمجهول معاً، تسرق الفرح بالعيد وتُغرق اللبنانيين في المزيد من أتون الازمة المعيشية والاقتصادية الخانقة، من دون أن تلوح في الافق أي حلول قريبة.
في صيدا وقرى شرقها، وامتداداً الى قرى الجنوب حتى مرجعيون، تبدو الاستعدادات للفصح عند الطوائف التي تتبع التقويم الشرقي خجولة، فجائحة “كورونا” والاجراءات الوقائية فرضت نمطاً جديداً من الاحتفالات الضيقة والتي تقتصر على افراد العائلة الواحدة، وسط غياب عن حضور القداديس في الكنائس والاديرة، حيث لا يخفي متربوليت مرجعيون وصور وصيدا للروم الارثوذكس المطران الياس كفوري استياءه من “الدعوات المتكررة” والتي وصفها بـ “التحريض” لعدم الحضور الى الكنائس بالرغم من الحرص على اتباع كل الاجراءات الوقائية، ويقول لـ “نداء الوطن”: “على العكس تماماً في الشدائد، ومع تفشّي الاوبئة ومنها جائحة “كورونا”، يلجأ الناس عادة الى الربّ للصلاة والدعاء على نية الخلاص، ولكن المسؤولين في لبنان للأسف يفعلون العكس تماماً، ما يفقد المناسبات الدينية ومنها الفصح المجيد رونقها وفرحتها”.
واوضح المطران كفوري “أنّ الاوضاع المعيشية الصعبة التي يئنّ تحت وطأتها الناس تحرم الكثير من العائلات من شراء حاجيات العيد، من الطعام والشراب والثياب والحلوى وسواها، بينما الخلافات السياسية مستفحلة، فتشكيل الحكومة يراوح في المكان ذاته وهناك عقدة مخفية بل ما خفي أعظم، نطالب بتشكيل الحكومة اليوم قبل الغد، ولا فرق عندنا من يسمّي الوزراء طالما أنّ الحكم يقوم على المناصفة والشراكة ويقوم على العيش المشترك والوحدة الوطنية”، معتبراً “ان أزمة الخلافات كشفت ان كثيراً من الشعارات وهمية ولا تترجم على ارض الواقع، وكل طرف لديه اهداف خاصة وادعو هنا البطريرك الراعي والمفتي دريان الى تسمية الوزراء بالتفاهم من اجل انقاذ لبنان من انهياره الكبير ومن الطوفان الذي يغرق الجميع من دون استثناء”.
ويؤكد المطران كفوري انه سيرأس قداس الفصح في كنيسة مرجعيون، بينما كل الآباء في المناطق الاخرى سيفعلون نفس الشيء بنية خلاص لبنان من الوباء والازمات، ولزرع البسمة والامل في قلوب ابناء الطائفة وكل اللبنانيين بمختلف طوائفهم ومناطقهم.
في مشهد الفصح لا تغيب كنيسة الروم الارثوذكس في صيدا القديمة، اذ يقصدها ابناء الطائفة للاحتفال بالرغم من أنّ اعدادهم في المدينة قليلة. فالكنيسة تعتبر الاقدم في الجنوب، وتقع في سوق النجَّارين، ويقوم عليها حالياً الاب جوزيف حداد الذي فضّل عدم الحديث، بينما يقول المؤرّخ الصيداوي الدكتور طالب محمود قرة أحمد انها كانت تُسمى “كنيسة صيدا الكاتدرائية” وفي العام 1850 انقسمت إلى كنيستين يفصل بينهما حائط، أحدهما للروم الأرثوذكس والآخر للروم الكاثوليك، وقد أصبحت بكاملها اليوم للروم الأرثوذكس بعدما قامت طائفة الروم الكاثوليك قبل أكثر من قرن ببناء أكبر مطرانية لها خارج مدينة صيدا القديمة، وهي مطرانية مار نقولا في شارع فخر الدين.
وامتداداً الى السوق التجاري، فإنّ الحركة نشطت فيه على مسافة أيام من الفصح وأقلّ من اسبوعين من عيد الفطر المبارك، في مشهد يعكس مدى توق الناس لإستعادة حياتهم الطبيعية، بالرغم من القيود الصحية التي تفرضها جائحة “كورونا”، والمعيشية التي تفرضها الأزمة الاقتصادية، ولكن الحركة اقتصرت على المحال الشعبية بعدما اختفت الطبقة الوسطى التي كانت تشكّل اكثر من نصف المجتمع الصيداوي. وقال جوزيف خوري: “جئت الى صيدا لاشتري ثياب العيد لاولادي بالرغم من الضائقة المعيشية واخترت الارخص والانسب كي لا يمرّ مرور الكرام”.
ويؤكد رئيس جمعية تجار صيدا وضواحيها علي الشريف لـ “نداء الوطن” أنّ القطاع التجاري يعاني ويكاد يلفظ نفسه الاخير، والناس يبحثون عن لقمة الطعام ولم يعودوا يبالون كثيراً بأي شيء آخر”، مشدّداً على انه ازاء هذا الركود وجائحة “كورونا” لن تفتح المحال التجارية في المدينة ليلاً قبل عيد الفطر المبارك.