«ثورة الأرثوذكس» والحكومة.. من «المُستحق»؟
في كتاب «المجنون» لجبران خليل جبران، ارتأى «الملك الحكيم» أن يشرب من ماء البئر التي شرب منها كل شعبه وأصيب بالجنون، كي لا يبقى هو العاقل الوحيد.
في لبنان، الكل يريد أن يكون أمام دولته «مجموعة طوائف». هذا الواقع الأليم، يدفع بالمكونات الطائفية إلى «ترتيب أوضاعها» وفق قواعد اللعبة المجنونة القائمة. الأرثوذكس يشكلون رأس حربة هذه المكونات بعد استشعارهم بمحاولات «غير بريئة» لـ «تقزيم» المراكز المحسوبة عليهم أو نهشها.
تضج الأروقة الأرثوذكسية بالكثير من التساؤلات: هل المطلوب اخراج الأرثوذكس من جلدتهم، حتى يتقوقعوا ويصبحوا أسرى فكر انعزالي على قاعدة «أنا أرثوذكسي أولا ولبناني ثانياً»؟ هل المطلوب دفعهم الى حضن أحزاب طائفية حيث لا قيمة لمعيار المواطنة، فيكون ذلك ممراً إلزامياً لحصولهم على حقهم المكتسب من كعكة السلطة؟ على اي اساس سيتم اختيار رئيس مجلس الشيوخ؟ ألا يفترض بالطبقة السياسية ان تتحلى بالوعي اللازم «لتقف على خاطر» هذه الشريحة التي تشعر بالغبن لأنها غير قادرة على اختيار ممثليها الحقيقيين.
لم تعد ازمة تمثيل الأرثوذكس مجرد «مشكلة طوائفية» بل ارتقت الى مصاف «الإشكالية الوطنية». ثمة من يتهم هذه الطائفة العروبية بأنها وضعت نفسها في قمقم الجلباب الطائفي بمجرد «اختراعها» القانون الانتخابي الذي عرف بـ «القانون الأرثوذكسي». على هذه النظرية، يجيب «مستقيمو الرأي»: عندما ينظّر الأرثوذكس لهذا القانون الذي من شأنه ان يشكل الانطلاقة الواقعية نحو المواطنة المنشودة، فهذا لا يلغي تاريخهم القومي والعروبي.
ما الذي يمنع، برأي هؤلاء، «من استقطاب النخب الحقيقية التي لا غبار على حيثيتها التمثيلية الأرثوذكسية سواء أكانت متحالفة مع هذا الطرف او ذاك. فالنخب الأرثوذكسية تنتمي الى هذا الوطن وتاريخها مشرّف من شارل مالك الى ميشال عفلق وانطون سعادة وغيرهم». ويطمئن هؤلاء الى أن «لا أحد في النهاية يمكنه أن يأخذ مكان أحد ولكن الجميع لا سيما المغبونين بحاجة الى إشعارهم بأنه جزء من الدولة والوطن وليسوا مواطنين درجة خامسة».
في ملعب المرجعيات الروحية الأرثوذكسية، النقمة واحدة وتبدت بوضوح في عظات كل من البطريرك يوحنا العاشر يازجي والمطرانين انطونيوس الشدراوي وباسيليوس منصور. في مطرانية بيروت، ثمة «خليط من العتب والانزعاج والاستغراب» بحسب ما ينقل زوار المتروبوليت الياس عودة.
ورداً على من يتساءل عن الحكمة في اقحام المرجعيات الروحية في الاستحقاقات السياسية، يعود هؤلاء الى «جوهر المشكلة الذي يكمن في قانون الانتخاب الجائر الذي سمح لطوائف بأن تهيمن على أخرى». ويتساءلون بدورهم: «هل المطلوب ان يستمر الجور في السلطتين التشريعية والتنفيذية معا؟». متابعين: «للمطران عودة رأي مسموع منذ زمن وتاريخه يشهد له فماذا لو تمت استشارته ليس من باب فرض الدور من خارج الآليات الدستورية ولكن من باب تعويض الخلل والتخفيف من حدة الثغرات الحاصلة».
وانطلاقا من شعورهم بالمظلومية، يرى الأرثوذكسيون انه «اذا تواجدت النية في رفع الظلم فالواجب يقضي بالاستئناس بمن هم على تماس مع هذا الوجدان في استشارات غير معلنة وغير ملزمة». ذلك، يعزز، برأيهم، شعور هذه الجماعة بالانتماء الى الدولة وبأن هناك مساواة بين الجميع وأن انصافها ليس مرهوناً بالتحاقها بجماعات أخرى».
كل هذا المشهد الملبّد حضر بشكل أو بآخر في زيارة «اللقاء الارثوذكسي» الى القصر الجمهوري في بعبدا، أمس الاول. فاللقاء يعوّل كثيرا على العهد الجديد بأن يأتي «بدواء الانصاف» للأرثوذكس.
توجه «اللقاء» الى «سيد القصر» بإيجابية وقوبل بإيجابية أكبر. التخاطب الذي لم يخل من «عاطفة ووجدانية» بين الرئيس العماد ميشال عون والأمين العام للقاء مروان أبو فاضل يؤشر الى ان أرضية الثقة صلبة للبناء عليها. «الجنرال» قالها صراحة لـ «مروان»، كما ناداه مرارا أمام الحضور خالعاً كلفة «الأستذة» الجامدة، بأنه لمس تلك العاطفة في عينيه ما ان استهل كلمته الموجهة الى «فخامة الرئيس». لمسها كذلك في وجوه كثيرة شاركت في الوفد الأرثوذكسي الموسع.
قارب أبو فاضل مسألة الرئاسات الثلاث ليصل الى الموقع الأرثوذكسي المصنّف رابعاً فيكون المعنى في قلب الشاعر. ناشد عون بما يؤمن به أصلا «الجنرال» أي «الأكثر حيثية والخارج من رحم الوجدان الأرثوذكسي لمنصب نائب رئيس الحكومة».
بالأمس، كان التلاقي، فهل يحصل «اللقاء المستحق»؟