Site icon IMLebanon

صيغة أرثوذكسية لانتخاب رئيس الجمهورية

ملفات كثيرة تتدافع على طرقات وزواريب الأزمات اللبنانية المتفاوتة الصعوبة والأهمية، لكن يبقى الاستحقاق الرئاسي، الذي أمضى ما ينوف عن مئتي يوم، حتى الآن، هائماً في فراغ المصالح الاقليمية والأنانيات الداخلية، منارة الأمل وعتبة الحلول.

الاسبوع الذي بلغنا اليوم أواخره انبلج عن أجواء ايرانية مشجعة حملتها النسائم الفرنسية، المتسللة عبر انشغال الآخرين، عرباً وغربيين، بما هو أولوياتهم الذاتية، فكانت أربع زيارات فرنسية لطهران، ثلاث عاقرات، والرابعة أوحت بالأمل، في تحول ايراني نحو تفريج كربة الرئاسة اللبنانية، عبر الموافقة الضمنية على أن يتولى اللبنانيون زمام رئاستهم الشاغرة، بما يعني القبول بحوار توافقي ينتج رئيساً بالمواصفات التي تتطلبها المرحلة.

ويقول المتابعون ان هذا التحول كان وراء حركة فرانسوا جيرو، مسؤول الشرق الاوسط وشمال افريقيا في الخارجية الفرنسية، باتجاه عواصم المنطقة، ومنها بيروت، التي التقى أرباب العائلات السياسية فيها من ٨ و١٤ آذار، حتى كان لقاؤه مع العماد ميشال عون، ذلك الذي اعاد الموقف الى نقطة الصفر، بطرحه أولوية الجمهورية على رئاستها…

المشروع الفرنسي المقبول ايرانياً وفي عواصم أخرى، غير دمشق، يقوم على أساس أن يتولى اللبنانيون التفاهم علي رئيس لهم… وهذا يعني عقد لقاءات حوارية ثنائية أو ثلاثية أو أكثر، توصلاً الى رسم ملامح الرئيس العتيد، ويقع ضمن هذا الاطار الحوار المطروح بين تيار المستقبل وحزب الله، والحوار غير المكتمل الاوصاف والابعاد والاهداف، بين العماد ميشال عون وصاحب مبادرة التواصل معه الدكتور سمير جعجع، عبر رئيس المجلس العام الماروني الوزير السابق وديع الخازن، وبعض الشخصيات الدينية.

لكن الخطوات التي استقطبت الرهانات، وسط الاقدام المتزاحمة على طرقات الحلول المستحيلة، كانت أقصر ما يمكن ان نتصور، فحوار التيار والحزب، ما زال عند محطة الانطلاق، متعثراً بجدول الاعمال، ولقاء عون – جعجع، ما زال ضمن دائرة التمني، برغم استعداد جعجع للذهاب الى الرابية حافي القدمين، كما كان ينقل اصحاب النذورات… بسبب استمرار الاختلاف على ما يتعين الاتفاق عليه، جعجع يريد التفاهم مع عون على بديل لكليهما في المضمار الرئاسي، بينما يتجنب العماد عون الاقرار بهذا الانسحاب المتوازي، عبر التمسك بنظرية الرئيس القوي، والذي يمثل، مما حوّل مشروع اللقاء الذي يعمل عليه جعجع منذ عودته من المملكة العربية السعودية، الى ما يشبه حلم ليلة صيف.

وفي اللقاء الأخير للدبلوماسي الفرنسي جيرو والعماد عون في الرابية، تبيّن للموفد الفرنسي ان ثمة جديداً طرأ على صيغة تقبل بها طهران لاطلاق قطار الرئاسة اللبنانية، إذ أعيدت الى حيث يريدها العماد عون تماماً، أي الى جادة الاختيار على مرحلتين مرحلة أولى يتوافق فيها القادة المسيحيون الأربعة، بمباركة البطريرك، على مرشح أو اثنين، وثانية يكون فيها الخيار وطنياً، لمرشح التوافق المسيحي، أو من بين من فازوا بامتحان التوافق المسيحي، وهكذا نصبح أمام آلية انتخابية لرئاسة الجمهورية، على غرار مشروع قانون الانتخابات الموصوف بالأرثوذكسي، والذي يعطي كل طائفة حق انتخاب مرشحيها الى الانتخابات الوطنية العامة، والذي لم يمر في مجلس النواب. وتعليقاً على هذا، لم يستغرب النائب القواتي انطوان زهرا، ما جرى، وقد ردّه الى ما يعتقده، بأن العماد عون، لا زال يرى ان الجمهورية لا تقوم إلاّ برئاسته…

وثمة من يثق بأن المسألة أكثر تعقيداً من طموحات العماد عون الرئاسية، أو من مبررات خصومه المضادة. فهناك من يتساءل عما اذا كان ثمة خطأ في تركيب سلّم الأولويات اللبنانية المعروفة، والذي حمل الرئيس سلام نموذجه الى باريس، حيث أكد على أربع نقاط بالتدرج: الاستحقاق الرئاسي، وجود حزب الله في سوريا، تسليح الجيش، والخطة الأمنية في طرابلس والبقاع الشمالي…

وفي اعتقاد المتسائلين ان وضع الاستحقاق الرئاسي، في مقدمة جدول الأولويات، يعرضه للتعطيل الدائم من جانب، من يخشون الانتقال بعده، الى الملف الذي يليه بالتدرج عينه؟

ولكن في حال أبعد الاستحقاق الرئاسي عن رأس الجدل، يأخذ الملف التالي مكانه، أي وجود حزب الله في سوريا!…

وفي هذه الحالة، قد يذهب الاستحقاق وبمعية الاستقرار الأمني النسبي القائم أدراج الرياح الموسمية…

من هنا تفضيل إبقاء الاستحقاق الرئاسي، كبوابة للحلول، برغم احتمالات، إبقائها مغلقة، الى ما شاءت الظروف الخارجية القاهرة والممسكة بتلابيب الداخل اللبناني المقهور…