IMLebanon

النعامة… ورمال سوتشي

 

 

في حزيران (يونيو) 2017 كان عديد القوات الأميركية في سورية لا يتجاوز 250 جندياً، إلا أن الولايات المتحدة رفعت هذا العدد في غضون شهر واحد إلى 2000 من المشاة، في إشارة واضحة إلى رغبتها باستمرار حضورها العسكري في ظل غياب تأثيرها السياسي، لا سيما في جولات جنيف المتعاقبة التي بلغت أرذل العمر في جولتها المخزية التي حملت الرقم 8.

تزامن تصريح الناطق الرسمي باسم البنـــتاغون، أريك بيهون، ومفاده أننا «ملتزمون بالبقاء في سورية طالما يحتاج شركاؤنا إلـــى دعمنا في دحر ومنع عودة المجموعات الإرهـــابية إلى المنطقة»، مضيفاً أن «انسحاب القــــوات الأميركية من ســـورية سيكون مرهوناً بشروط معيــــنة»، من دون أن يفصح عــــن ماهـية تلك الشــروط. تزامن هذا التصريح مع إعلان الرئيس بوتين الثالث من نوعه منذ تدخله العسكـــري المباشر في أيلول (سبتمبر) 2015 فــــي سورية عن سحب قواته منها مع الإبقاء على مجموعة محدودة العدد في قاعدتي حميميم الجوية وطرطوس البحرية.

فما حقيقة الانسحاب الروسي المعلن (الوهمي عملياً) مقاربة مع إصرار أميركا على البقاء العسكري (الرمزي والموضعي)؟ وماذا يخفي التعاون الأميركي الروسي في غير موقع من مواقع القتال من مفاجآت ستُصرف على طاولة المفاوضات السياسية أفي جنيف كانت أو في آستانه، وأقصد مؤتمر سوتشي؟!

من نافلة القول أن الدخول العسكري المتأخر لأميركا لدعم شركائها الكرد في حرب داعش وتحرير الرقة ثم الانتقال إلى تحرير دير الزور من ذيول التنظيم الإرهابي، جاء بعد تجفيف الدعم اللوجيستي، بالسلاح والتدريب والاستشارات، للمعارضة السورية المعتدلة بعد أن فشل البرنامج الذي أعدّه البنتاغون لتدريب عدد محدد من مقاتلي المعارضة، فشلا يتحمّل مسؤوليته الطرفان معاً. فلا وزارة الدفاع الأميركية امتلكت رؤية وخطة استراتيجية مستدامة وبعيدة المدى لتدريب دوري ومتواصل للمعارضة لمساعدتها على إسقاط النظام الشمولي ومحاربة تنظيم الدولة الإسلامية الذي ظهر لاحقاً، ولو أن الأولوية كما بدا من تصريحات متوالية أميركية كانت لمحاربة التنظيم، ولا المعارضة أبدت مسؤولية والتزاماً كافيين لبناء الثقة واستمرار هذه الشراكة المرحلية بينها وبين الولايات المتحدة في برنامج رصدت له إدارة أوباما السابقة مبلغ 500 مليون دولار، وكان يرمي إلى تدريب وتجهيز 5000 مقاتل سوري في العام الواحد.

إلا أن التعـــاون الأميركي مع الشركاء الكرد كان مختـــلفاً تماماً على أكثر من مستوى. فإرث أوباما كان درساً لإدارة ترامب الحالية بضرورة تغيير المعادلات ودعم شركاء جدد ولــــو أدى الأمر إلى قطيعة أميركية تركية على مستـــوى التفاهمات حول القضايا الجوهرية والاستراتيجية لتركيا في سورية، لا سيما الامتداد الكردي الجيوسياسي المدعوم أميـــركياً على طول الحدود التركية السورية. ويعتبر البنتاغون الذي زوّد «قوات سورية الديموقراطية» الكردية ذات الأقلية العربية، بمــــدرعات ومنصات إطلاق صواريخ ومدافع رشاشة، أن الحلف الفعّال مع وحدات حماية الشعــب قد أثمر تحرير الرقة كاملة من تنظيم داعـــش. وهذا هو القصد الأساس للتداخل العسكـــري الأميركي في سورية، على الأقل القصــــد المعلن له. هذا وكانت القيادة المركزية الأميركية قد افتتحت تعاونها مع الكرد ببيان لها نشرته على موقع تويتر الرسمي لـ «قوات سورية الديموقراطية» أكدت فــــيه أن «قسد» ليست جزءاً من حزب العمال الـــكردستاني كما تدعي بعض الحكومات في المـــنطقة، ضاربة بذلك، ومنذ البداية، أي احتمال لتعاطف ممكن مع الشعور القومي التــــركي مقــــابل التضحية بتحالفها الذي أثمر دحراً مطلقاً لداعش من الرقة ثم من دير الزور.

فصل المقال أن مفاوضات جنيف الأممية في نسختها الثامنة وصلت إلى حائط مسدود، فالوفد النظامي الذي يمثل حكومة الأسد يرفـــض التعامل مع مخرجات مؤتمر الرياض ولا يحترم الجدول الزمني أو السياسي المحدد لتناول الملفات الأربعة التي حددها المبعوث الأممـــي وصولاً إلى تطبيق فعلي لقرار مجلس الأمن 2254، والمبعوث الأممي من جهة أخرى، كان قد فاجأ هيئة التفاوض المعارضة بموقف فج اتخذه بصورة بعيدة كل البعد من طبيعة موقعه كوسيط ديبلوماسي، مهـــدداً بانتقال المحادثات إلى قبضة سوتشي إذا لم تع المعارضة حجم خساراتها المتوالية وفــــي آخرها خسارتها للدعم الدولي، وحتى بعــــض الدعم الإقليمي، وفي مقدمته دعم أنقره التي وجد رئيسها نفسه مضطراً للانحياز مع الأهـــواء الروسية، رداً على التحالف الأميركي الكردي الذي أنتج وضعاً جيوسياسياً غير مريـــح لأردوغان على الإطلاق على حدود بلاده الجنوبية، وأخيراً أزمة المعارضة التي وجدت نفســـها عالقة بين سندان آستانة العسكري وما يحضّر لسوتشي التي ستكون أشبه بآستانة السياسي. اليوم فقط قد تكتمل اللعنة التي رافقت مسيرة المعارضة في سبعٍ عجاف ليكون حوار سوتشي المرتقب حوار طرشان الضمير الإنساني الذي يدفن رأسه هذه المرة في رمال شواطئ سوتشي الروسية الدافئة، ويرتاح!