Site icon IMLebanon

النعامة المستقرّة!

 

محتارة منظومة الممانعة على امتداد «شعاعها» من طهران إلى نواحينا الضاحوية البيروتية: بين الاستمرار في الردح بـ«المعادلة الجديدة» التي أطلقها إسقاط الطائرة الإسرائيلية، وبين العودة إلى نهج النعامة الذي أثبتت السنوات السورية الماضية، نجاعته التامّة، طالما أنّه عنى ويعني رفع الرأس إزاء عرب ومسلمين، سوريين وغير سوريين، وإبقائه في مهده الرملي إزاء «العدو الصهيوني الغاشم» إيّاه!

 

في مواصلة الركّ والتركيز على كسر المعادلة الحاكية بأنّ إسرائيل تقصف ما تريده وما تراه مناسباً، في مقابل توعّدها البلاغي تكراراً بالرد «في المكان والزمان المناسبَين»، هناك احتمال لأمرَين قارصَين: الأول أن تُستفزّ إسرائيل إلى حدّ دفعها إلى استئناف الغارات الجوّية لكن بوتيرة مكثفة وأعنف من المعتاد! بما يهرق ما تبقّى من مياه الوجوه! ويدمّر المزيد والمزيد من الأهداف المنتقاة المخصّصة أولاً وأساساً لـِ«معالجة» البيئة السورية المعادية والمعارضة! والثاني هو التدحرج إلى مواجهة فعلية تودي بحصيلة السنوات الست الماضيات إلى الهاوية، ومعها بقايا السلطة الأسدية. وتهدّد «جدّياً» النفوذ الإيراني في «القطر الشقيق»! وتفكّ في الخلاصة والمنطق ما تبقّى من عُرى تربط روسيا بإيران، طالما أنّ صاحب الكرملين لا ينفي هواه الإسرائيلي الأكيد وإيثاره على كل هوى آخر عابر ومؤقت!

 

الأرجح، أنّ نهج النعامة لا يزال صامداً! وليس أدلّ على ذلك من ظواهر رافقت السبت المغبّر. بحيث لوحظ مثلاً، أنّ الجماعة الأسدية في دمشق أصيبت بالخرس. ولم يصدر أي كلام «رسمي»، عن الذي جرى، أو عن «المعادلة الجديدة» المدّعاة!. بل الواضح هو أنّ تلك الجماعة كانت الأكثر رعباً من احتمالات انفلات الأمور باتجاه كارثي أكيد!

 

.. ثمّ الأنكى من ذلك والأنكر، أنّ «التسريبات» التي خرجت من دمشق، ركّزت على أنّ الطائرة الإيرانية المسيّرة عن بُعد انطلقت من مطار التيفور الذي يخضع للسيطرة الإيرانية التامة! علماً أن ثمانية من الأهداف الـ12 التي أغار عليها الإسرائيليون صُنِّفت كمواقع لـِ«الفرقة الرابعة» التي يقودها ماهر الأسد وألوية تابعة لـِ«الحرس الجمهوري».

 

.. ثمّ الأكثر دلالة، هو أنّ الإيرانيين نفوا المبادرة أصلاً إلى إطلاق الطائرة المسيّرة، عن بُعد! وتنصّلوا من المسؤولية! فيما اكتفى «حزب الله»، بمقاربة خجولة وغير مألوفة تضمّنت (بالمناسبة!) مفردة «المعادلة الجديدة» التي تعني تغيير قواعد الاشتباك، والتركيز على «استمرار الدعم للشعب السوري» من دون الاستطراد إلى ما هو أبعد!

 

وذلك أمر غريب ومُستجدّ في أدبيات الحزب الدائمة! ويؤكد المؤكد لجهة عدم وجود «قرار» عند المعنيين (على الجانبيَن) بالذهاب إلى حرب مفتوحة برغم كلّ الضجيج المتأتي من الدّق على الطبول الفارغة: لا إسرائيل تريد تعكير مشهد تذابح العرب والمسلمين، ولا تضييع هداياه المتراكمة في خزائنها التكتيّة والاستراتيجية من جرّاء ذلك! ولا إيران ستغيّر العادة وتقاتل إسرائيل مباشرة! وهو ما لم تفعله منذ قيام «ثورتها»! عدا أنّها لا تريد في الأساس المغامرة في مواجهة مكلفة جداً، سوريّاً ولبنانيّاً بما يُهدّد (كما سلف القول) جنى السنوات الماضيات فعلياً وجدّياً!

 

ولا شيء يؤكد ذلك، أكثر من واقعة الطائرة المسيّرة عن بُعد: إطلاقها لاستدراج الطيران الإسرائيلي إلى فخّ، أحرق ورقة المفاجأة! ودلّ الإسرائيليين، على عيب يُفترض بهم إصلاحه!! ومن فعل ذلك من دون قرار بفتح حرب إنما يقول من دون مواربة إنّه لا يريد حرباً! وإلاّ ما كان ليكشف أوراقه الحربية المخفيّة بهذه الطريقة العبيطة! وعلى شاكلة عود الكبريت الذي لا يحترق إلاّ مرّة واحدة!

 

محاولة مكلفة لتعديل قواعد اللعبة، وتحديداً لجهة وقف الغارات الإسرائيلية على الداخل السوري! لكنّها فشلت و«مضت على خير».. و«نهج النعامة» قائم ومستمر! والأولويات «الممانعة» لا تزال كما هي: الأكثرية العربية والإسلامية أوْلَى بالعداء والحروب والنزال! ومصالح إيران أهمّ من أن تُهدَّد بمواجهات شاملة مع الإسرائيليين أو الأميركيين، أو من أجل خاطر أحد، خارج حدود جمهورية «الوليّ الفقيه»!