IMLebanon

بعد التمديد إما النفق وإما جنبلاط

قد تتجه أكثرية نيابية واضحة إلى التمديد للمجلس النيابي الحالي، للمرة الثانية. وقد تكون التبريرات معروفة ومرفوعة. بين حجة نهاد المشنوق بالاستحالة الأمنية لإجراء انتخابات عامة في هذه الظروف، وبين شعار الفريق الحريري حول رفض النيابية قبل الرئاسية، خوفاً من الوقوع في مأزق دستوري في مسألة استشارات التكليف والتأليف، ومن ثم إصدار مراسيم المحطتين.

وهو منطق يكاد يكون ابن عم المنطق المزايد لدى بعض آخر، بأن لا تشريع للضرورة إلا ضرورة انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

قد يكون لكل هذا الكلام ما يبرره. وقد يقود هذا الكلام إلى حتمية التمديد. لكن عندها، ماذا بعد؟ يستمر المجلس الحالي. وبالتالي تستمر توازناته الراهنة. أي يستمر الجمود والمأزق والقدرتان الكاملتان والمتقابلتان على التعطيل المتبادل. فتنقلب معادلة: لا رئاسية قبل النيابية، إلى معادلة مضادة من نوع: لا رئاسية في ظل المعادلة النيابية الحالية. فالنتيجة الأولى للتمديد الثاني، ستكون فعلياً التمديد لكل الوضع الراهن: لا قانون جديداً للانتخابات طبعاً. ولا خرق جدياً للمأزق الاقتصادي، بل تدهور إضافي. ولا قدرة فعلية للسلطة المنقوصة الشرعية على معالجة أمنية استثنائية. بل اهتراء متزايد ومتفاقم. وحتى لا قدرة لاحقة حتى على العودة إلى الاستحقاق النيابي، نتيجة قوة دفع تحلّل الدولة وتفكك منطقها ومفهومها وتسيّد سياق حرب العام 1976 وإحياء نمط التمديد لمجلسها 16 عاماً. هكذا يدخل لبنان فعلياً ونفسياً، موضوعياً وذاتياً، نفق الفراغ المقنّع بورقة تين التمديد… بالقدر الذي يمكن لتلك الورقة أن تتمدّد فوق عورة بحجم وطن. كل ذلك سيكون نتيجة التمديد الثاني. نتيجة شبه مؤكدة، على التمديديين إدراكها منذ الآن، وإدراك أن لا قدرة لاحقة لكسرها، إلا باحتمال نظري من ثلاثة:

أولاً، أن يتبدل الوضع السوري جذرياً. علماً أن احتمالات تبدّل كهذا تبدو صعبة جداً وغير مرجّحة في المدى الزمني المنظور، وذلك باعتراف الجميع. حتى أعتى المراهنين تطرفاً وتهوراً على تبدّل كهذا في دمشق، باتوا يعرفون ويعترفون في سرهم، أن أفضل تطور يمكن أن ينبثق في سوريا جراء الغارات الغربية على الإرهابيين، هو الفوضى السورية المطلقة. ما لم ينتصر الأسد على الإرهابيين هناك، لن يكون أمام سوريا غير سيناريو، لا تقسيم البلاد، بل «تشقيفها». اسرائيل تبني شريطاً أمنياً لها في الجنوب، من إسلاميين حلفاء لها، يعزلون حدودها وأمنها عن الإسلاميين غير المنضبطين. تركيا تقتطع شريطها المقابل في الشمال. غارات الغرب تعيد دولة التوحّش الأصولي المعاصر إلى حدودٍ ما في شرق البلاد. وما يتبقى يكمل حروب استنزافه… هل من يتصور انتخابات رئاسية، أو نيابية في بيروت، وسط مشهد دمشقي من هذا النوع؟ أي سيناريو كهذا سيعني دفن منطق الانتخابات النيابية في لبنان، حتى أجل بعيد.

الاحتمال الثاني الممكن أن يكسر نفق التمديد الثاني في حال حصوله، هو الرهان المقابل، على خرق إيجابي في العلاقات الأميركية ــــ الإيرانية، بعد 24 تشرين الثاني المقبل. خرق يبدأ بثغرة نووية، تتوسع لاحقاً لتصير تقاطعاً سياسياً، وسلسلة من نقاط التوافق الإقليمية. الإيرانيون، قبل وحوش «داعش» وحرب الغرب عليها، كانوا متفائلين بذلك التاريخ المقبل. وكانوا يجزمون بأنه سيشهد إعلاناً ما. لا اتفاقاً شاملاً طبعاً. بل نوعاً من إعلان نيات، أو إطار اتفاق، أو بداية حياكة سجادة دقيقة لأرضية مشتركة بين طهران وواشنطن. وكانوا، في تلك الأجواء، يتوقّعون مدى زمنياً بالأعوام، لإنجاز اتفاق شامل بكل ملحقاته الإقليمية. بعد خلافة التوحش، وبعد حسابات الرياض في أنها مستفيدة حكماً من حرب أوباما الانتخابية، صار الإيرانيون أكثر تحفظاً وأقل تفاؤلاً. وصار لذلك المدى الزمني مدى أبعد، عنوانه تبدّل المسرح الشرق أوسطي برمته… احتمال ثان، قد يجعل أي انتخابات لبنانية مقبلة، على موعد متزامن مع الانتخابات السعودية الأولى ربما.

يبقى الاحتمال الثالث لكسر غيبوبة التمديد. احتمال موضعي موضوعي وبراغماتي، اسمه وليد جنبلاط. فبين انتظار الآذاريين للأبوكاليبس السورية الكارثية، وبين انتظار خصومهم لهلال شهر العسل الإيراني ــــ الأميركي، يمكن للرجل أن يحقق حلم ليلة خريف. أو يمكن للبنانيين أن يحلموا بذلك. يخفف بداية من جنون الفرنسيين. ثم يقنع الأميركيين، أقله أهل عوكر، بضرورة إعلان وقت مستقطع للبنان، وسط حرب امبراطوريتي واشنطن والموصل. فيؤمّن له الأميركيون ضوءاً سعودياً أصفر على الأقل، ويرفعون فوق رأسه مظلة كافية، لتقيه خطري الخوف والحاجة. فيجمع تحتها الثنائية الشيعية بالسنية السياسية، وبينهما من يقدر على «التفاهم» مع الثلاثة. احتمال لا حل سواه، لمن يريد فعلاً استقرار لبنان وفصله عن عاصفة المحيط الكبرى.

تريدون التمديد؟! حسناً، لكن بعده إما أن تستعدوا للنفق الطويل، وإما أن تعدّوا الطريق لمبادرة جنبلاط.