IMLebanon

حلفاؤنا في إيران: سوريا أولا

لقاءاتي المكثفة، الودية والنقدية والصريحة، مع شخصيات متعددة الاتجاهات السياسية في إيران، وضّحت لي ما كنتُ أقدره من تنامي الخلافات الداخلية، عشية موعد انتهاء المفاوضات حول الملف النووي؛ القضية، بالدرجة الأولى، إيرانية، بين تصوّرين يمكن تلخيصهما بشعارين : إيران أولاً… أو سوريا أوّلا!

بالنسبة للتيار الليبرالي، فإن صفقة النووي، وبأي ثمن، ليست سوى مفتاح لتثمير قوة هذا التيار داخلياً، ومن ثم التطلّع إلى الاندماج في النظام الرأسمالي الغربي. يتطلب ذلك، حتمياً، تراجعات في الصراعات الإقليمية، وتعميق التحالف مع تركيا، المؤهلة للعب دور وسيط الاندماج الاقتصادي الإيراني ــــ الغربي.

وبالنسبة للتيار الوطني الاستقلالي الإيراني، فإن حسم الحرب في سوريا هو المفتاح لحسم الصراع الداخلي والاقليمي والدولي معاً؛ ففي سوريا معركة الوجود لكل القوى الوطنية الاستقلالية التنموية الإنسانية في الشرق كله، وفي أورو آسيا: النصر على التحالف الاستعماري الرجعي العثماني في سوريا، سيؤدي إلى نتيجة حتمية هي تحوّل إيران إلى قوة إقليمية ــــ دولية، ستنتزع حقها النووي وغير النووي، بقدراتها وحضورها وتحالفاتها، الإقليمية من دمشق إلى بيروت إلى بغداد إلى صنعاء… والدولية (روسيا والصين…).

في هذا الخلاف، توجد نقطة مركزية تتمثل في الموقف من تركيا ومشروعها العثماني والإخونج؛ فالليبراليون يتحدثون عن علاقة استراتيجية مع أنقرة، وعن استحالة استبعاد الإخوان المسلمين من الساحة السياسية المصرية (وهو منطق يؤدي إلى فكرة مماثلة بالنسبة لسوريا أيضا). في حين أن الوطنيين الاستقلاليين، يتبنون مواقف سوريا، بوضوح، ضد تركيا، وبشيء من الخفر ضد الاخونج، وخصوصا حماس.

على هذه الخلفية، لم أعنون مقالي هذا: «حلفاؤنا الإيرانيون»، بل، على وجه الدقة والتعيين: «حلفاؤنا في إيران». ومن حسن الحظ أن هؤلاء الأخيرين هم من يملكون القوة العسكرية وقدرة التنظيم والعزيمة الثابتة على منع أي تحوّل ليبرالي غربي للسياسة الإيرانية؛ وإذا كان لا يستطيع أحد أن يقدّر الحجم الفعلي للصراع الإيراني ــــ الإيراني، فإن أي تحليل جدي سينتهي إلى أن الوطنيين الاستقلاليين، قادرون ومصممون على الحسم؛ ما فهمته من القلب إلى القلب، أن حلفاءنا الإيرانيين، لن يتركوا الحصان السوري وحيدا، بل إنهم يعترفون بأن سوريا هي حصان محور المقاومة كله.

علي أكبر ولايتي، مثلاً، وفي مكانته ومهابته، يقترب، أكثر فأكثر، من الرؤية السورية القومية؛ قال إن في كل مأساة، لطفاً إلهياً. و»من الألطاف الإلهية لمأساة الحرب السورية، أن سوريا ولبنان أصبحا واحدا». بالفعل، معارك حزب الله في الأراضي السورية، وحدت البلدين، ومَن ينظر، بعين تاريخية، إلى تطور الأحداث وموازين القوى، سيتوصل إلى أن الحرب على الإرهاب، وحدت، وستوحّد سوريا ولبنان، سوريا والعراق… وهي عملية تاريخية نضالية ستفرض نفسها، وتفرض على الفلسطينيين، التخلي عن «القرار المستقل» الذي ذهب بهم إلى أوسلو وإمارة غزة، كما ستفرض على الأردن، العودة إلى الجغرافيا السياسية للاتحاد السوري ـــــ العراقي.

استراتيجية «سوريا أولا»، تعني، إذاً، كل سوريا، وكل المشرق؛ فهذا هو المآل الحتمي للحرب الدائرة الطويلة الصعبة ولكن التي لا مجال فيها إلا للنصر، بالنسبة لنا، وبالنسبة لحلفائنا في إيران؛ فهي، لكلينا، معركة وجود، ليس لها خاتمة إلا باتحاد المشرق. وهو مشروع يتناقض مع المشروع التركي الذي لا يتحقق إلا بتفتيت بلاد الشام والعراق، والاستيلاء على مناطق جديدة من أراضيهما؛ كما أن تطورات الحرب نحو اتحاد مشرقي حليف لإيران، لن يترك مجالا للإخونج؛ فذلك الاتحاد مرهون بنبذ شامل للمذهبية التي لا تقوم للاخونج قائمة من دونها.

في هذا الاتجاه، يتعزز التيار الوطني الاستقلالي المقاوم، يوما بعد يوم، على نار الحرب في سوريا. فعلى رغم تنامي الحركة الوطنية والشعبية في الأردن مثلا، مَن كان، قبل بضع سنوات فقط، يتصور أن ينعقد في طهران، بالذات، «الملتقى الأردني ــــ الإيراني لدعم خيار المقاومة»، وصولا إلى وثيقة مرجعية تنص على كون «المقاومة هي الخيار الوحيد لتحقيق العدالة لكل شعوب المنطقة في اطار الدولة الوطنية المستقلة وانطلاقا من مفهوم المواطنة الشامل وليس ضمن المحاصصة الطائفية او العرقية باي شكل من الاشكال… وأن العدوان الرجعي العربي الوهابي والعثماني المسنود امبريالياً وصهيونياً على الجمهورية العربية السورية هو عدوان على حركة المقاومة وروحها وثقافتها وعدوان على نموذج التعددية والدولة المدنية ودولة المواطنة في المنطقة، مما يجعل الدفاع عن الدولة الوطنية السورية، برئيسها وجيشها وشعبها وخياراتها المستقلة، واجباً دينياً وقومياً وانسانياً، وبمثابة دفاع عن الأمن القومي لكل قطر من اقطارنا العربية والاسلامية». انتهى الاقتباس.