تناقلت وسائل الإعلام يوم الأحد الماضي صورة لإحدى النازحات من المدينة القديمة في الموصل وهي تحمل طفلا رضيعاً تبيّن لاحقاً أنّها انتحاريّة ترتدي حزاماً ناسفاً وبعد سماح القوات الأمنية لها بالمرور دون تفتيشها، فجّرت نفسها مستهدفة الجنود العراقيين… هذه عيّنة فقط عمّا هو أكبر بكثير من لفظيْ إرهاب وإجرام، ومع هذا لم ولن يتّعظ الذين انخرطوا منذ فجر 30 حزيران الماضي ـ وما يزالون ـ في حملة عاتيةٍ ضدّ الجيش اللبناني، بعضهم وصف عملية الجيش الكبرى بأنّها «فيلم هندي»، وبعضهم لم يتردّد في مراسلتي عبر الـ»أنبوكس» ليؤكّد لي أنه مع لبنان وأنّه من عرسال وأنّ ما يقال عن الإنتحاريين كلّه كذب وأنّ قلمي الحرّ يجب أن يوضّح الصورة!!!
ببساطة أتاحت الأيام الماضية لكثير من اللبنانيّين أن يتأكّدوا أنّ الحملة التي يتعرّض لها الجيش اللبناني، تشبه كثيراً ما تعرّض له جيشنا والمؤسسة العسكريّة من تخوين وتآمر عليها وعلى لبنان وطننا تضامناً مع الميليشيات الفلسطينيّة، الأمر الذي أضعف الجيش وأوهن قدرته وهذا ما تسبّب بضياع لبنان وشعبه بعدما ألقيَ بنا في أتون الحرب الأهليّة، من العجب أن ترى أنّ هناك لبنانيين يتآمرون على وطنهم وجيشهم، ومن العجب أن يتفجّع هؤلاء على صورة إجراءات أمنيّة يفترض أن يكون المشهد فيها كما كان، بعد أن يفجر عدد من الانتحاريين أنفسهم قبل إلقاء القبض عليهم، ما هذا الغباء الموصوف، كلّ الانتحاريين يفجرون أنفسهم قبل أن يتمّ القبض عليهم هذا ما نتابعه يوميّاً في نشرات الأخبار حول العالم، وفوق ذلك في أيّ وضعيّة يجب أن يكون فيها الموقوفون؟ جالسون يلفّون ساقاً على ساق؟!
للمناسبة؛ تأخّر دولة رئيس الحكومة في إطلاق التأييد للجيش اللبناني وعمليّته ضدّ الإرهابيّين المندّسين في مخيمي النور وقارية في عرسال، ومن المؤسف أن ينبري النائب عقاب صقر لإطلالة غير متوقّعة تتحدّث عن التحقيق مع أفراد من الجيش بعد وفاة أربعة موقوفين، أساساً هذا التحقيق من البديهي أن تجريه المؤسسة العسكرية ومن دون أن يطالبها به أحد، ومن المدهش أن يطالب نائب لبناني اللبنانيين الذين يطالبون «بعودة النازحين السوريين إلى بلدهم، بمحاسبة من أدى إلى نزوحهم اولاً»، وكأننا نحن الذين تسبّننا بنزوحهم، ومن المؤسف أنّ هذا التصريح فاقم الحملة على الجيش اللبناني وصوّر الواقع على غير ما هو عليه، «خيّي عقاب يا ليتك تلتزم الصمت العميق» فقد ذاق الشعب اللبناني الأمرّيْن بسبب وجود مليونيْ سوري وربّما أكثر في لبنان، وقد حان الوقت لبدء تنظيم عودتهم إلى المناطق الآمنة في سوريا، فعرسال عدد سكانها البالغ خمسة وثلاثين ألف نسمة فيها تسعين ألف لاجىء سوري، معظمهم من قرى القلمون وعسّال الورد وسواها وقد انتهت المعارك في قراهم وبلداتهم، والمطلوب بدء تنظيم عودة اللاجئين السوريين إلى سوريا بالتنسيق مع الأمم المتحدة وروسيا وتركيا لا مع النظام السوري، فقد «كفاها الله».. ضاق علينا وبنا لبنان ونكاد نحن نهجر وطننا لنصبح لاجئين.. و»بعدين!!»
الجيش اللبناني فوق كلّ وأيّ اعتبار، بصرف النظر عن كلّ الملاحظات المحقّة وغير المحقّة، ليس هناك ناس بلا أخطاء، وقيادة الجيش أهلٌ وثقة، والكلام الذي يصدر ليغمز من قناتها من هنا وهناك لا قيمة له، الوقت حرجٌ جداً، ولبنان قبل سوريا وقبل غزة وقبل الموصل وقبل إيران، وأمنه وأمانه وسلامة أراضيه قبل وفوق الجميع.