حسم المطران الياس عوده جدلاً كبيراً لا لزوم له حول التدخل العسكري الروسي في سوريا، وهو جدل بدأ يثير ردود فعل في الشارع اللبناني الغارق في نفاياته وأزماته، من غير أن يعتبر أن عينيه يجب أن تركزا على الداخل المتصدع بدل الاهتمام أكثر بالشأن السوري. فقد شاهدنا قبل أيام تظاهرة للعلماء المسلمين قبالة السفارة الروسية في بيروت اعتراضاً على الدور الروسي في سوريا، قابلها أمس اعتصام للجالية السورية التي تحركها السفارة، مؤيد للتدخل الروسي ومشيد بالرئيس فلاديمير بوتين.
وإذا كان التأييد سياسياً، فإن الاعتراض اتخذ منحى طائفياً محاولاً تشبيه الدور الروسي بالحرب الصليبية، من غير أن يتنبه المشايخ الأفاضل للانعكاس السلبي المحتمل على العيش المشترك في لبنان وفي سوريا، وفي كل المنطقة. ولا يفوت هؤلاء أن روسيا تسعى وراء مصالحها ليس أكثر. وإذا كان التقليد الروسي يقضي بأن يبارك الكهنة كل الحملات الانسانية كما العسكرية في رد فعل على تضييق الشيوعية على الكنيسة زمناً طويلاً، فإن ما قاله الناطق باسم الكنيسة الروسية الارثوذكسية عن الحرب يستحق القراءة، لا التفسير المجتزأ الذي يقود الى بث الكراهية والتحريض. فقد تحدث عن مواجهة الارهاب وقال إنها عمل مقدس. وهذا ما يجب أن يكون لدى الجميع. فالارهاب يحرم الناس حقهم في الحياة، وفي التعبير، وفي العيش الكريم. وما نراه من فصول “داعشية” تطاول مسيحيين ومسلمين وايزيديين، يجب أن يواجهه الجميع، وعلى المسلمين ان يتصدوا لهؤلاء ولأفعالهم بكل ما يمتلكون من قدرات، وإلا اعتُبروا موافقين ضمناً على تلك الجرائم. وبدل التصدي للارهاب بكل أشكاله، يعمد البعض إلى نكء الجروح، وبث روح التفرقة.
من هنا كان لمثقفين أرثوذكس، وكذلك للمطران الياس عوده، رفض وتوضيح للموقف المسيحي الصرف من الدور الروسي ومن كل الحروب، إذ قال أمس في عظته: “الكنيسة لا تبارك من يقتل الآخر لأن حياة الإنسان هي ملك الرب، ومن يقتل الإنسان كأنه يشاء أن يقتل الله. وفي الحقيقة يذهب المقتول الى الرب، أما القاتل فقلبه ظالمٌ ومظلمٌ يسكنه الشيطان، والشيطان لا يدخل ملكوت الله. لذلك أيضاً الكنيسة لا تبارك الحروب ولا تقول عنها إنها مقدسة، أي لا تقدّس الحروب ولا تقبل بهذا القول. كل كنيسة يجب أن تكون هكذا إذا كانت تعلّم تعاليم الرب أو إذا كانت تسمع كلامه. لهذا السبب، نحن الأرثوذكسيّين، وبالأخص في إنطاكية، فيما نتألم ونُطرد من بيوتنا ويُشنّع بنا، لا نقاتل أعداءنا. وكما نرى، إن شعبنا في كل هذه المنطقة يترك بيوته ويهجرها ويعيش عيشة تعسة، ومنهم من يسافر لكنهم لا يردّون الإساءة بالمثل. لذلك، فليكن واضحاً إن كنيستنا الأرثوذكسيّة التي نحن أعضاء فيها، لا تبارك ولا تقدس الحروب ولا تقول عن أي حرب إنها مقدسة”.