يعيش لبنان أزمة دستورية خطرة، أزمة قد تدمّر الدولة وفق وزير الخارجية الروسي وتطيح بمقوّمات اقتصاده، أزمة ناتجة عن عجز القوى السياسية عن انتخاب رئيس للجمهورية ما يشوّه صورة لبنان الخارجية وينعكس سلباً على ثقة المؤسسات المالية الدولية ووكالات التصنيف العالمية والمستثمرين به، وناتجة أيضاً عن تعطيل نشاط المؤسسة التشريعية ما يؤدي الى تعليق مئات القوانين والفشل في اقرار المشاريع الانمائية والمالية الملحة للحفاظ على الاستقرار المالي والاجتماعي في البلاد والتي تساعد في تحقيق مطالب موظفي القطاع العام على صعيد سلسلة الرتب والرواتب والإجازة بفتح اعتمادات اضافية فضلاً عن خسارته القروض والهبات من المؤسسات والصناديق الدولية المقدّرة بأكثر من مليار دولار، وأخيراً ناتجة عن إضعاف إنتاجية الحكومة وفعاليتها ما يتسبّب بإيقاف مئات المراسيم وعرقلة ملف النفط والغاز، وعدم الاستفادة من انخفاض أسعار النفط عالمياً لإصلاح قطاع الكهرباء، والإخفاق في معالجة المشكلات الحياتية للمواطنين وإقرار الموازنة العامة، وتحصيل الأموال من الدول المانحة للنازحين السوريين.
تظهر تبعات أزمة المؤسسات الدستورية على الشكل التالي:
1- تدهور النمو الاقتصادي، حيث أصبحت تقديرات صندوق النقد الدولي تقارب 1 % ومصرف لبنان الصفر ولولا التدابير التحفيزية لهذا الأخير لكان لبنان سجل انكماشاً اقتصادياً ونمواً سلبياً.
يعود تهاوي الاقتصاد إلى الأضرار التي طالت القطاعات الاقتصادية وعناصر النمو:
– تقلُّص الحركة الاستهلاكية نتيجة أجواء القلق والخوف لدى المستهلك الداخلي وغياب المستهلك الخارجي وتظهر على صعيد القطاع السياحي في ضعف نشاطه نتيجة عدم وجود السياحة الخليجية والغربية وإقفال بعض الفنادق الكبيرة أبوابها وتدني نسبة الإشغال الى أقل من 40 %، كما تظهر في تراجع نشاط القطاع التجاري أكثر من 20 % وإقفال العديد من المؤسسات التجارية وصرف مئات من الموظفين.
أدّى تراجع الحركة الاستهلاكية إلى انخفاض إيرادات الضريبة على القيمة المضافة في الأشهر الستة الأولى من السنة حوالي 4.88 % والإيرادات الجمركية حوالي 1.36 % .
– تقلّص الحركة الاستثمارية، حيث سجل القطاع العقاري تراجعاً في المبيعات حوالي 20 % وفي تراخيص البناء حوالي 18 % . يشهد القطاع حالاً من الجمود في جميع المناطق بسبب أجواء عدم اليقين والضبابية التي تعمّ المؤسسات الدستورية. فسجلت الرسوم العقارية في الأشهر الستة الأولى من السنة تراجعاً نسبته 17 % ، رغم الإجراءات التنظيمية والإصلاحية الإيجابية التي قام بها المدير العام للدوائر العقارية.
– تقلّص الصادرات حوالي 9 % بسبب إقفال المعابر البرية في المنطقة والكلفة المرتفعة للتصدير البحري وتباطؤ النمو في المنطقة.
نخشى أن ينعكس انخفاض أسعار النفط العالمية على النمو الاقتصادي في لبنان في السنوات المقبلة نتيجة ارتباطه بالاقتصاد العربي، خصوصاً الخليجي، الذي خسر في العام الحالي حوالي 287 مليار دولار من مداخيله النفطية والذي يمكن أن ينعكس على السياحة الخليجية الى لبنان التي تمثل نسبة 25 % من إجمالي السياح و45 % من المداخيل وايضاً على الصادرات اللبنانية الى منطقة الخليج التي تمثل 25 % من إجمالي الصادرات وأخيراً على تحويلات اللبنانيين التي تمثل 60 % من اجمالي التحويلات أي حوالي 4.5 مليار دولار.
2- اتساع العجز في المالية العامة: تؤدي الأزمة الدستورية إلى إخفاق الحكومة في مناقشة وإقرار مشروع الموازنة العامة والاستمرار بالإنفاق وفق القاعدة الاثنتي عشرية، أي بلا ضوابط ورقابة.
يقدّر صندوق النقد الدولي أن يرتفع العجز في العام الحالي من 7.1 % الى 9.3 % من الناتج المحلي اي حوالي 30 % نتيجة التباطؤ الاقتصادي الذي أدى الى تراجع الايرادات العامة حوالي 2.35 % ونتيجة الضغوط الامنية والاجتماعية والسياسية التي تسببت بزيادة الإنفاق العام حوالي 4.45 % ناتجة عن زيادة نفقات الرواتب والاجور حوالي 9 % وخدمة الدين حوالي 3 % ، علماً ان الخسارة في مؤسسة كهرباء لبنان تراجعت حوالي 39 % لتبلغ حوالي 941 مليار ليرة أخيراً نتيجة كلفة النزوح السوري على المالية العامة المقدّرة سنوياً بحوالي مليار دولار.
3- خسارة المساعدات الدولية للنازحين السوريين: تؤدي الأزمة الدستورية الى تردد الدول والمؤسسات الدولية في تقديم المساعدات للبنان بسبب فقدان الثقة بالحكومة وعدم وجود الشفافية والوضوح للتعاطي معها.
قاربت كلفة النزوح السوري، حسب المدير العام لوزارة المال ألان بيفاني 15 مليار دولار. وقد حاول هذا الاخير في اجتماع صندوق النقد الدولي الحصول على مساعدات للبنان على شكل هبات لدعم الموازنة العامة، لأن الخزينة اللبنانية غير قادرة على تحمّل أعباء النزوح التي تصل الى 1.7 مليار دولار هذه السنة.
في هذا الإطار، لا بد من لفت الانتباه إلى أن المساعدات للنازحين ستكون صعبة في السنوات المقبلة بسبب تراجع مداخيل الدول المانحة، خصوصاً الدول المنتجة للنفط التي أصبحت تسجل عجزاً في ماليتها العامة يفوق 10 % من الناتج المحلي والذي دفعها إلى استخدام احتياطياتها المالية لتغطية هذا العجز، كما توجد صعوبة على لبنان الحصول على هبات من المؤسسات المالية الدولية.
4- عرقلة إقرار مرسومَي النفط والغاز: تؤدي إلى خسارة لبنان مصداقيته في عالم النفط، وتراجع اهتمام الشركات النفطية العالمية، وتقلّص المنافع الجيوستراتيجية التي يمكن أن يستفيد منها، لكونه بلداً نفطياً في علاقاته السياسية والاقتصادية مع الدول الإقليمية والدولية، اضافة الى إضاعة الأسواق المحتملة لتصدير غازه، خصوصاً في ظل منافسة إقليمية (إسرائيل، قبرص، سوريا) شرسة، وعدم حصوله على استقلالية نفطية وبقائه معتمداً على الخارج، والتأخير في معالجة مشكلاته الاقتصادية والاجتماعية والمالية، وأخيراً الإتاحة لإسرائيل الاستيلاء على جزء من ثروته النفطية.
5- الحراك الشعبي: أدّت الأزمة الدستورية الى ولادة الحراك والمطالبة بحقوق تعبّر عن معاناة اللبنانيين وقرفهم وغضبهم، تتعلق بالكهرباء والنفايات والفساد والبطالة. على الحراك البقاء ضمن مطالبه المعيشية ورفض استدراجه الى الفوضى والشغب.
الاقتصاد في خطر، الدولة تُدمّر. المؤسسات الدولية تحذّر من تداعيات أزمة المؤسسات الدستورية على الاقتصاد.
القوى السياسية مطالَبة بأخذ هذه المخاطر بجدية وجعل الاقتصاد بنداً أساسياً على طاولة الحوار.
(]) خبير مالي واقتصادي