Site icon IMLebanon

26 عاماً و”الفبركات” مستمرّة… “سيدة النجاة” وقوّة القوات!

 

مثل البارحة، في السابع والعشرين من شباط، قبل 26 عاماً، صدح صوت انفجار في كنيسة، في قلب كسروان، في قلب كنيسة متكئة على ضفاف البحر الأزرق المتمدد، مظللة بيسوع الملك وبسيدة حاريصا، في بقعة مسيحية أرادها ساكنوها راسخة مثل الجبل، مثل الصخر، مثل الأرض! الإتهام أعدّ سلفاً. القوات اللبنانية، رئة ذاك المحيط، هي المجرمة والجريمة تستحقّ العقاب والعقاب، في زمن اللا قضاء، جريمة!

 

هي الذكرى السادسة والعشرون على تلك الجريمة، على ذاك الصدى، على تلك التأليفة. 26 عاماً مرّت بسرعة البرق، بلمح بصر، فيها كثير من الأحداث والأوجاع، لكنها سريعة سريعة. فهل انتهت المآسي التي أنتجتها تلك اللحظة – الجريمة مع خروج سمير جعجع من السجن القاسي أم ما زال من أعدوا ورتبوا ونفذوا الجريمة قادرين، حتى اللحظة، على فبركة الملفات؟

 

أول البارحة، قبل أن يخلد سمير جعجع الى النوم طلب نقر 28 حرفاً شكّلت “التغريدة” التالية: “رسموها جلجلة للقوات فتحوّلت قيامة”. جميلة حقاً هذه العبارة، خصوصاً أننا في زمن قيامة، لكن ماذا عنى بها سمير جعجع؟ وهل نحن فعلاً في زمن قيامة أم ما زلنا في زمن الآلام؟ أليست “الفبركات” مستمرة؟ وهل من فبركوا رواية الكنيسة – الجريمة هم أنفسهم الذين فبركوا إصابة جعجع بالخبيث؟

 

البارحة، مرّ سمير جعجع بتمثال مارشربل، قبالة كنيسة السيدة ريتا، في قلب معراب، ورسم إشارة الصليب، قبل أن يتوجه الى “المحبسة” التي بنيت على نسق السجن وتفاصيل تلك المرحلة. وهو لا بُدّ أن يكون قد استذكر تلك المقولة المذيلة باسمه هناك: لا يعتقدن معتقد في لحظة من اللحظات بأن الله قد مات أو بأنه لا يتدخل في التاريخ، فمهما يكن الطريق طويلاً، صعباً، شاقاً ومتعرجاً فإنه في نهاية المطاف لن تكون إلا مشيئته. كما في السماء كذلك على الأرض.

 

هناك، فوق، في التفاصيل، نجد دائماً بيار جبور، عضو الهيئة التأسيسية والمجلس المركزي في حزب القوات اللبنانية، الذي عاش، مثله مثل كثيرين، آلام تلك المرحلة. وهو، بحكمِ وجوده ضمن فريق الحماية، كان أكثر من استشعر “بالفبركات” التي كانت تُحاك تأسيساً “للإنفجار الكبير”. وهو يتذكر جيداً كيف فجر “المفبركون” قبل الكنيسة، بيت الكتائب، ورموا بطاقة قواتي لفبركة قصة، ووضعوا عبوات هنا وهناك، ولاحقوا الشباب. هذا كان السيناريو المعتمد. واليوم، تستمرّ التحديات كثيرة وبعضها أمني. الفبركات تبقى مستمرة.

 

يعود القواتيون، في مثل هذه الأيام، 26 عاماً الى الوراء. الى تلك المرحلة، التي سبقت انفجار الكنيسة، حين كان السوري قد حدد هدفه بدقة بأن يتمّ القضاء على القوات من بوابة كنيسة، وحُددت سيدة النجاة كهدف، ولم يكن هذا عن عبث، فالقوات، هي التي تحمل لواء القضية المسيحية في لبنان، وسيدة النجاة واقعة في عاصمة الموارنة كسروان. فهل يتصوّر عقل أن يُفجّر حامي المسيحيين كنيسة في عاصمة الموارنة؟ أيّ عقل هذا؟ إتُخذ قرار “شيطنة” القوات اللبنانية، ونُفّذ، بهدف ضرب صورة القوات داخل البيئة المسيحية. لماذا حدث كلّ هذا في تلك اللحظة الزمنية؟

 

يردّ “قواتي” الفعل الجرمي الذي ألصق بالقوات الى ثلاثة أسباب:

 

أولاً، أرادوا التخلص من القوات اللبنانية، القادرة وحدها، دون كلّ الآخرين، على مواجهة المنظومة الأمنية العسكرية القائمة.

 

ثانياً، أرادوا الإنتقام من القوات التي عرقلت كل التسويات السيئة، من بشير الجميل الى سمير جعجع، وضمنها إسقاط الإتفاق الثلاثي.

 

ثالثاً، أرادوا تغليب الشخصيات المستقلة، التي يمكنهم استخدامها واستيعابها، بدل مواجهة حزب مؤدلج ومنظم ومستعدّ للمقاتلة سياسياً إذا اقتضى الأمر.

 

وحصل ما حصل. واستخدم “المجرمون الحقيقيون” رمزية كنيسة سيدة النجاة لإتمام مخططهم.

 

القوات، في المقابل، نشطت منذ ذاك الحين على ثلاثة مسارات:

 

أولاً، إعادة تنظيم نفسها وصفوفها بعد الضربة الكبيرة ويُسجل للشباب، في ذلك الحين، الذين باتوا اليوم مخضرمين، تصديهم لقساوة المواجهة مع السلطة.

 

ثانياً، ضرب مفهوم “الشيطنة” وإعادة تعزيز التفاعل الوثيق مع البيئة المسيحية. وما ظنّ المجرمون أنهم أنجزوه في العام 1994 خسروه كلياً لمصلحة القوات في أيلول 2000 مع نداء بكركي الشهير الذي أسس للقاء قرنة شهوان في نيسان 2001.

 

ثالثاً، تعزيز المسار الوطني الذي كرّس مصالحة الجبل والبريستول.

 

بين عامي 1994 و2005 جرت مواجهة واضحة مع النظام السوري، لم تتخللها أية تسويات، حتى تلك التسوية التي سبقت خروج سمير جعجع من السجن، بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري، تصويت القوات اللبنانية، في المجلس النيابي، للتجديد للرئيس نبيه بري. رفضت القوات هذا ولو على حساب بقاء قائدها في قلب الزنزانة.

 

خرج “الحكيم” من السجن. ودارت الأمور 360 درجة من دون أن يتخللها، بين حين وآخر، عصي أمام الدواليب. وها قد أتت ثورة 17 تشرين. تغيّر البلد “فوقاني تحتاني” لكن لماذا تستمرّ الفبركات سائدة في حقّ القوات؟ لا يختلف إثنان أن الحرب لم تتوقف لحظة، بعد العام 2005، على القوات. ولعلّ صوت جبران باسيل، وهو واقفٌ في قلب طرابلس، قائلاً: “لست أنا من قتل رشيد كرامي” نذر من فيض محاولات الإنقضاض المستمر على القوات اللبنانية وضرب صورتها. وقبل أيام، حاولوا مجدداً فبركة قصّة لكن من المدخل الصحي من أجل زرع الشكوك. ولا شيء يمنع “فبركات” ستلي في الأيام المقبلة. فكلما “حُشر” الآخرون فبركوا القصص ولوثوها! وهذا سيستمر ما دام هناك من لا يزال قادراً على استخدام القضاء وتسييسه. لن يرتاح أحد ما دام القضاء غير مستقلّ.

 

القوات اللبنانية هي اليوم، بعد 26 عاماً على انفجار سيدة النجاة، أحد أكثر الرابحين. ويُشدد مصدر فيها: القوات اليوم قوية، فهي تملك كتلة نيابية كبيرة، وأخصامها يتساقطون أمامها. وأيّ انتخابات نيابية مبكرة سيرفع رصيدها في المجلس النيابي، وفق دراسات واقعية، عشرة نواب على الأقل. من دون أن تغفل طبعاً أن هناك طرفاً ثالثاً دخل الى الخط بعيد 17 تشرين.

 

والفارق بين 1994 و2020 أن همّ القوات يومها في تلك اللحظة كان ضرب مفهوم “شيطنتها”، أما اليوم فكلّ همها قيامة لبنان.