كان حرياً بمجموعة النواب التابعين للجنرال ميشال عون، وكذلك بعض كهنة الكنيسة أن يحملوا على أكتافهم تمثال “سيدة فاطيما” الى منزل الجنرال ميشال عون، ويدخلوها هناك علّ وجودها في بيته يلهمه أن يغادر مربع تعطيل مؤسسات الدولة مع “حزب الله”، وذلك بدل النزول بها الى وسط بيروت وإدخالها مجلس النواب بمبادرة لا يفيد منها سوى رئيسه نبيه بري الذي يكسب هنا “ضربة” علاقات عامة. “برافو”… فنبيه بري لا يدفع من كيسه. هو الكاسب الوحيد في هذه العملية الغريبة التي جرى إقحام الكنيسة المارونية بها مرة جديدة. لكن المخجل، لا بل المشين أن نرى نواباً من كتلة عون النيابية التعطيلية يمشون في موكب “سيدة فاطيما” الى مجلس النواب من أجل “استسقاء” انتخاب رئيس جديد للجمهورية، حين أن المطلوب أن تحل بركة السيدة العذراء وإلهامها على ميشال عون ليقتنع مرة أخيرة بأن لا أمل يرتجى من تعطيل انتخابات الرئاسة، ولا من تعطيل أعمال مجلس الوزراء. في كلتا الحالتين لن يؤدي ذلك سوى الى مزيد من الاهتراء في مؤسسات الدولة. أما هو فلن يخرج بمكسب بحجم أحلامه.
ولنكن صرحاء: ان عون لن يصل الى سدة الرئاسة، لا اليوم ولا غداً. هذه حقيقة يجب أن يدركها الجنرال. فهو لن يحظى بأصوات كافية في مجلس النواب للوصول الى بعبدا. وكلما أمعن في تعطيل الاستحقاق الرئاسي، وفتح معارك جانبية تارة ضد الحكومة التي يفيد من وجوده فيها، أو ضد قيادة الجيش الحالية بذريعة الإصرار على تعيين صهره العميد شامل روكز قائداً للجيش فسوف لا يبتعد عن منصب الرئاسة فحسب، لا بل إنه سيقضي على كل بارقة أمل لوصول روكز الى قيادة الجيش. ولا نبالغ إذا قلنا إن روكز المشهود له بأنه واحداً من بين الضباط الجديرين بتولي القيادة، يعاني اليوم سلبيات سياسات عون في ما يتعلق بقيادة الجيش. وربما جاز القول إن وضع روكز العائلي قد يكون أصبح عبئاً عليه في ما يتعلق بطموحاته، أقلها في مؤسسة الجيش.
لقد أحسن صديقنا الوزير أشرف ريفي حين بادر بمبادرة شخصية منه الى مغادرة مربع التشاطر والتكاذب الذي استقرت فيه العلاقات السياسية بين القوى الكبرى بعد تشكيل الحكومة الحالية. فبقوله إن عون لن يكون رئيساً، كشف ريفي واقعاً لطالما جرى تنبيه عون إليه، وهو ان من أراد الفوز بتأييد جميع الأطراف للوصول الى منصب الرئاسة، وجب عليه أن يثبت انه رجل التوفيق والتوافق والوسط، وأنه يجمع ولا يفرّق، والأهم أنه خارج أي اصطفاف سياسي. قيل هذا الكلام للجنرال ميشال عون مراراً وتكراراً، وكانت أمامه فرصة لكي يخرج من تحت عباءة حسن نصرالله، فلم يبادر وظل واقفاً عند مربع حسن نصرالله وبشار الأسد والايرانيين في لحظة اشتباك إقليمي حاسمة بين العرب والإيرانيين. فطارت الرئاسة. وطارت قيادة الجيش.
خلاصة القول: لا يظنّن الجنرال عون ان خياراته السياسية ستحقق له أحلامه، فقد انتهى زمن صعود “حزب الله”.