حبذا لو تبادر أمّنا الحنون الى التعجيل في تسليم جيشنا الوطني السلاح الموعود ضمن الهبة السعودية البالغة السخاء وقيمتها ثلاثة مليارات دولار أميركي وأكثر، ولو تضيف إليها هبة من عندها رمزاً للعلاقة التاريخية التي تربط بلدينا، ثقافة وحضارة ولغة، ارتباطاً وثيقاً، ولا تزال تؤثر كثيراً في بنية مجتمعنا، وفي استمرار “النفوذ” الفرنكوفوني في المنطقة.
وحبذا أيضاً لو يبادر المجتمع الدولي الى دعم الجيش بالسلاح والعتاد وأجهزة المراقبة والتنصت والانذار التي تساهم في دحر المعتدين الارهابيين الذين يواصلون محاولاتهم لاجتياح قرى وبلدات حدودية واحتلالها للولوج الى الداخل اللبناني وبدء التخريب فيه، وضرب منعته التي صمدت حتى الآن، وزادت التفاف اللبنانيين حول مؤسستهم العسكرية، وسائر القوى الامنية، التي أبلت بلاء حسناً في فرض الامن، والقبض على الشبكات الارهابية والتخريبية، ومنع انزلاق لبنان الى أتون الحرب السورية، والى “رحاب” تنظيم “الدولة الاسلامية” التي لا تقيم وزناً لأوطان ودول وحدود، وحتى لكرامات وأعراض.
ما يهمنا في كل هذا هو جيشنا الوطني، رمز وحدة البلاد وصمودها واستمرارها. فهذا العمود الفقري الذي تم التلاعب به وبمصيره وبمصير وطن زمن حروب الآخرين على أرضنا، والتي انطلقت رسميا عام 1975، هو رهاننا للمستقبل، لأننا خبرنا الاوضاع في غياب دوره الفعلي، وشهدنا على الجيوش والميليشيات وقادة المحاور والحروب الداخلية والاقتتالات المختلفة. هذا الجيش لا يستحق منا فقط تحية تضامن، وتحية اجلال لشهدائه الذين يسقطون تباعا، من أجل الدفاع عن أمننا واستقرارنا، بل يستحق الوقوف الى جانبه ومعه في حربه المستمرة على الارهاب بكل الوسائل الممكنة. فالجيش الذي يحارب باللحم الحي، ويعتمد على بسالة جنوده، يحتاج الى وحدة وطنية متينة توفر له الغطاء الفاعل، ويحتاج الى توفير طاقاته وجهوده للمعارك والمواجهات الحدودية، بدل إلهائه في الشوارع والازقة حيث يمكن المسؤولين السياسيين ضبط أتباعهم وأزلامهم ومنعهم من افتعال مشاكل صغيرة تستنزف الجهد والوقت من دون نتائج تذكر، وربما تعاون أكبر من القيادات الفلسطينية في المخيمات وخارجها لتسليم المطلوبين ومنع تحويل المخيمات أوكاراً للتكفيريين والارهابيين.
يحتاج جيشنا الى خطاب يتخطى السياسة والأحزاب والمذاهب، ويستحق رعاية واحتضاناً مميّزين، ووقوفاً الى جانب عائلات الشهداء ومدها بكل ما يمكن أن تحتاج إليه ليفيض شعور أبناء الشهداء بالاعتزاز بآبائهم، وبالمؤسسة التي انتموا اليها، وبالوطن الذي ارتوى من دمائهم، لا ليستمر الابناء فقط، بل لنصمد جميعا، ويبقى لبنان.