IMLebanon

المهرِّجون والمسخ

 

 

في مرحلة الفتوة وريعان الشباب كنا نوجّه أشد الانتقادات إلى قياداتنا السياسية لأننا كنا نصبو إلى مثاليةٍ سرعان ما اكتشفنا، مع تقدّم العمر، أنها غير موجودة إلّا في النظريات المبدئية، إذ ليس لها أي وجود على أرض الواقع. حدث هذا في زمن القادة الكبار الذين عايشهم جيلنا، عن قرب، أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر، كميل شمعون ورشيد كرامي وبيار الجميل وكمال جنبلاط وريمون اده وصائب سلام وحميد فرنجية وكامل الأسعد وسليمان فرنجية وصبري حماده والأمير مجيد إرسلان ورينيه معوض وسليمان العلي والأب سمعان الدويهي وجوزيف سكاف وفؤاد بطرس وخاتشيك بابكيان… وأعتذر ممن فاتتني أسماؤهم في هذه اللحظة.

 

كنا ننتقدهم بشدّة ولكنهم كانوا يتقبلون الانتقاد، وكنا نلتقيهم في مكاتبهم حتى من دون مواعيد، وأما أبواب بيوتهم فكانت مشرّعة أمام الزائرين خصوصاً ذوي المطالب.

 

الخلافات في ما بينهم لم تتوقف ولكن سقفها كانت خطوطه الحمر: مصلحة لبنان العليا بدءاً بالوحدة الوطنية والصيغة والميثاق الوطني، ثم بسلّم الأخلاق، ومن ثَم بالحرص على الكرامات… فلم يخرج الخطاب السياسي على تلك الحدود.

 

أين ما شهده لبنان وعشناه، في الأيام الأخيرة، ممّا نعايشه في زمن الرداءة والرِدّة هذا من مهازل ومباذل، ومن انفلات ولا أخلاق، ومن اعتبار اللصوص والفاسدين والمجرمين أنفسهم أنصاف آلهة، أين هذا الزمن من ذلك الزمن الذي عدنا وتوافقنا على تسميته بالزمن الجميل؟!.

 

ومع ذلك لم نكن راضين، الى حدّ أننا كنا نطالب بنظام جديد وقيادات جديدة… وجاءتنا «الفرصة» بالحرب التي خيضت على أرض لبنان بأدوات فلسطينية ولبنانية وحتى «أممية» إذا جاز التعبير، إذ لم يبقَ أحدٌ لم يَبلّ يده في الوطن الصغير المعذّب… وراحت بنا الخديعة إلى حدّ الاعتقاد بولادة لبنان الجديد، إلى أن استيقظنا من الكابوس المروّع على هذا المسخ وهؤلاء المهرّجين الذين أثروا على حساب فقر اللبنانيين، وأُتخِموا على تجويع اللبنانيين، وبنوا القصور على تدمير مقوّمات صمود لبنان واللبنانيين…

 

والله زمان!