ثمة مبالغة، في تأييد إعلان رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع ترشيح رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، من المؤيدين لهذا الطرح، لا ينم عن تفكير عميق في ما آلت اليه الامور، او في ما ستؤول اليه، اذ انقلب هؤلاء على مواقف الامس بين ليلة وضحاها. اللهم الا اذا كانت صورة التوافق بين الرجلين والحزبين هي الطاغية بغض النظر عن مضامين الاتفاق التي اطلعنا على جزء منها عبر البيان الذي اذيع في معراب، ولم نطلع على ما خفي ربما في قانون انتخاب، او في تقاسم حصص ما زالت حبرا على ورق.
كما ثمة مبالغة في رفض الاتفاق والانتفاض عليه من اناس ربما فاجأهم الحدث، او يتخوفون على مواقعهم، او يعيشون أسرى الماضي، او يعتاشون من الخلافات والانقسامات، فيرفضون طي الصفحة السوداء ويحاولون ان يحجبوا عن الغير الاستمتاع بالاتفاق المسيحي الذي سبقته اعوام طويلة من الحقد والكراهية بين الرجلين ومحازبيهما. او كأن ما هو مسموح للغير غير متاح للمسيحيين في التحاور والاتفاق الداخليين.
صحيح ان الاعلان خربط أوراقا كثيرة، وحرق أخرى، وأدخل الاصطفاف الذي ساد منذ العام 2005 في متاهات كبيرة، لكن الحقيقة ان الاتفاق كشف ايضاً المستور في التزام المواقف السابقة للاعلان. فالنائب سليمان فرنجيه صرح تكرارا بأنه ينسحب لعون في حال رشحه جعجع، لكنه اليوم لا ينسحب، والرئيس نبيه بري صرح في شباط 2015 بارتياحه الى “حوار عون – جعجع. واي اتفاق يتوصل اليه المسيحيون أسير به مثل البلدوزر”، لكن البلدوزر معطل ولا يشق طريقه في الطقس العاصف، والرئيس سعد الحريري ردد أن “العامل المقرر في رئاسة الجمهورية هو توافق المسيحيين على مرشح، ونحن نوافق عليه سلفا، من دون أي تحفظ”، لكنه تحفظ كثيرا، وتمسك بمرشحه الذي لم يعد يحظى بالغطاء المسيحي الاوسع. واما “حزب الله” فلم يلتقط حتى الساعة فرصة مرشحه الابرز.
ما حصل ويحصل، هو تراجع تدريجي عن مواقف الامس، ومحاولة للتنصل منها، لان احداً لم يتوقع ان يصل حوار عون- جعجع الى حد الاتفاق على الرئاسة، والقيام بانقلاب، في ظل ترشحهما وجها لوجه ممثلين كل لفريق ومحور وخط ونهج. لكن الاتفاق لا يعني رئاسة حكماً، اذ يدرك افرقاء الداخل جميعا، انهم حولوا البلد منذ زمن بعيد ضحية صراعات المنطقة، وباتوا اسرى العلاقة السعودية – الايرانية، وبالتالي فانهم يلعبون في الوقت الضائع في انتظار تطور ما، واما قولهم انهم اصحاب قرار فنكتة لا يصدقها احد.
المشكلة الحقيقية تكمن في تبادل الفيتوات الخارجية، والا لأمكن لبعض الداخل حسم المعركة لمصلحة مرشحه، بالضغط على حلفاء لتبديل توجهاتهم. وكلنا نعلم قدرتهم على ذلك. لكن حسابات الحقل تختلف عن حسابات البيدر.