كل يوم يجب أن يكون يوماً عالمياً للصحافة فهذه المهنة – الرسالة هي، في تقديرنا، من أنبل المهن قاطبة كونها كانت لأجيال وعقود طويلة صلة الوصل بين الناس أجمعين وبالذات بين الناس والمسؤولين عنهم وعن قضاياهم ومشاكلهم وسائر أمورهم اليومية.
ولقد أدت الصحافة اللبنانية هذا الدور بإخلاص وأمانة، الى أن ضربتها ثورة التكنولوجيا كما ضربت سائر صحف الورق في العالم بنسبٍ مختلفة… وليس مصادفة أن تسقط صحف، وتتهاوى سواها، وتصمد قلّة إنما بشق النفس.
ولأجيالنا الجديدة أود أن أضيء على بعض ملامح وجه صحافتنا اللبنانية الصبيح فأقول إننا كنا في زمن لا ندري ما إذا كان لبنان يعطي مجداً لصحافته أو أن هذه هي التي تعطي مجداً للبنان.
فمنذ أن أنشأ سميّنا المرحوم خليل الخوري صحيفة «حديقة الأخبار» وهي الجريدة الحقيقية الأولى في لبنان، في العام 1985، وحتى اليوم بقيت الصحافة اللبنانية رائدة في المجالات كافّة في منطقتنا:
1- صحف مصر الكبرى أسسها لبنانيون منذ القرن التاسع عشر: الأهرام والمقطم والهلال الى روزاليوسف (آل الجميل، آل تقلا، جرجي زيدان… وسواهم الكثيرون).
2- صحف الخليج في معظمها أسسها لبنانيون. وربما صحف الكويت كلها. وكاتب هذه الكلمات كان له الشرف بتأسيس جريدة «البيان» اليومية في دبي، وجريدة «البلاد» اليومية في المنامة – البحرين.
3- «الصحيفتان السعوديتان» الكبريان في لندن «الشرق الأوسط» و»الحياة» أسسهما فريقان لبنانيان…
4- عندما كان أحدُنا يزور بلداً خليجياً بالذات أو عربياً بالتعميم كان يُنظر إليه بإحترام وإكبار وتقدير لأن «هذا صحافي لبناني» (مؤسف كيف انقلب الزمان)!
5- ذات حقبة كنت رئيس تحرير مجلة لبنانية كانت الأولى «بان – اراب» وأذكر أنها صودرت – ذات عدد – في بلد عربي. ثم تكررت المصادرة في العدد اللاحق. ومن ثم صودر العدد الثالث أيضاً.
جمعت فريق عملي وعرضنا للأعداد الثلاثة فلم نجد فيها حرفاً واحداً مسيئاً الى ذلك البلد العربي… فاتصلتُ بوزير إعلامه مستغرباً التصرف، فكان جوابه ما لا زال أفتخر به (وبصحافتنا) حتى اليوم: يا أستاذ عندما تصدر مجلة (…) وليس فيها أي موضوع عن بلدنا، فهذا يعني أن بلدنا غير موجود على الخريطة.
6- ونموذج آخر عن طغيان حضور صحافتنا اللبنانية وتأثيرها الكبير في الخارج: كان جمال عبد الناصر ينام وصحف لبنان على مخدّته.
كان ذلك كله قبل أن تعرف الصحافة الترف… وكانت فعلاً «مهنة المتاعب» وليس فقط مهنة البحث عن المتاعب.
وثمة الكثير الكثير ممّا يمكن المضي في سرده حول هذه البهية، الجميلة، الرائعة التي كانت رشيقة مشيقة مغناجاً.
وجيلي أنا، الجيل الذي ينتشي بعبير رائحة الحبر ولطيف ملمس ورق الصحيفة يرى الى حالنا اليوم فيحبس دموعه عما آلت إليه أوضاع هذه المهنة النبيلة في بلدان العالم كافة وليس عندنا وحدنا وحسب.