في غمرة سعي روسيا عبر بدء عملياتها العسكرية الى إعادة تأهيل موقع الرئيس السوري بشار الأسد الذي ضعف الى درجة قد لا تسمح بجلوسه على طاولة المفاوضات ومحاولة ليّ ذراع الدول الغربية والعربية على السواء عبر استهداف مواقع المعارضة المعتدلة من أجل القبول بشروطها، رمى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أفكاراً تعد جزءاً من التسوية التي يطمح الى إرسائها في سوريا. هذه الأفكار لم تأخذ حيزاً من النقاش بعد في ظل الضربات العسكرية التي بدأها الطيران الروسي. لكن هذا لا ينفي أن هناك من يستخدم الحرب وسيلة لفرض قواعده أو إرادته أو شروطه في التسوية السلمية. وهذه الشروط تبدو تفسيراً ملتوياً أو روسياً خاصاً لبيان جنيف 1 اذ انها تتمثل، الى جانب السعي الى فرض إبقاء الأسد في موقعه لمرحلة غير محددة ليست مرتبطة إطلاقاً بمرحلة انتقالية، في إبداء استعداد لمرونة في حكومة يشارك فيها الأسد المعارضة إنما تحت سقف شروط أخرى هي التحالف الدولي من أجل محاربة داعش والتنسيق مع الأسد كجزء من هذا التحالف إضافة الى بنود تتصل بإجراء انتخابات نيابية والتفاوض مع المعارضة غير المتمردة على الأسد. الخروج على آلية جنيف 1 يفترض أن تبادر الدول الغربية الى الطلب من موسكو في ظل خوفها على بشار الأسد من مصير مشابه لصدام حسين أو معمر القذافي كما أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأن ترغمه على الرحيل لئلا يواجه المصير نفسه. كما يفترض بروسيا وهي التي تعود علاقتها الوثيقة مع الجيش السوري الى عقود طويلة ان تجد بديلاً من الأسد تطمئن إليه فلا يعود شخصه هو المشكلة. لكن الدول الأوروبية الأساسية سارعت الى إعلان مواقف أظهرت أنها على طريق تبديل مواقفها وتفهم وجهة نظر روسيا من خلال محاولة ملاقاة بوتين في الكلام على إبقاء الأسد وعدم طرح مصيره على الطاولة في المفاوضات وعدم ممانعة في أن يكون جزءاً من المرحلة الانتقالية تحت وطأة العدد الهائل من اللاجئين الذي بات على أبواب الدول الأوروبية. وقد نجح بوتين في توقيت الخطة التي أقدم عليها في سوريا في هذا الاتجاه. هذه المواقف الأوروبية وفق ما تقول مصادر معنية ليست جديدة في الواقع، أي إن خروج الأسد في المرحلة الانتقالية قد لا يتعين أن يكون فورياً لكن هذه الدول لم تكن تقولها علناً أو جهاراً بل كانت تتحدث في شأنها وراء الأبواب المغلقة منذ بعض الوقت خصوصاً من ضمن تفسيرها لبيان جنيف 1 الذي وضع في حزيران 2012 والذي لم يأت على ذكر الأسد أو مصيره. وما قامت به هذه الدول انها جاهرت بهذه المواقف بحيث اقتربت من الموقف الروسي وابدت الاستعداد أمام الاتفاق على تسوية همها الأساسي فيها وقف مد اللاجئين من جهة وإنهاء تمدّد تنظيم الدولة الاسلامية في اتجاه أوروبا. والانحياز الأوروبي الذي برز علنياً يخشى أن يكون ترك انعكاسات على الموقف الأميركي الذي قد لا يترجم في واشنطن كما في العواصم الأوروبية أصواتاً كثيرة تدعو الى السير بتسوية تبقي الأسد في المرحلة الانتقالية وتاليا تضغط على الادارة كما يضغط الرأي العام الأوروبي على حكوماته خصوصاً مع موضوع اللاجئين، لكنه يبدو متفهما أو قابلاً للمرونة لولا انه لم يجد تجاوباً كافياً من حلفائه الاقليميين العرب تحديداً.
خلال المفاوضات على النووي الايراني ما يزيد على السنتين كانت المخاوف العربية في شكل خاص ولا تزال من ان تداعيات هذا الاتفاق قد تستتبع تفلتاً ايرانياً في المنطقة نتيجة رفع العقوبات الدولية والأميركية عن ايران ما سيسمح لها باستثمار مزيد من الأموال في توسع نفوذها في المنطقة امتدادا الى سوريا ولبنان. وفيما كانت الأنظار تتجه الى ما بعد إقرار الاتفاق النووي في كل من واشنطن وطهران وبدء سريان الاتفاق مع نهاية السنة الجارية دخلت روسيا بقواتها العسكرية الى سوريا دعما للأسد وللقضاء على معارضيه. فالسفير السوري في موسكو قال لمحطة سي إن إن الأميركية قبل يومين إن “روسيا تساعدنا لتدمير كل “الجماعات المتمردة”. وبغض النظر عن قدرة روسيا أو نجاحها في ذلك، فإن التسوية التي تسعى اليها تحقق اهداف ايران لكن من دون ان تضطر ايران الى ضخ مزيد من اموالها وقدراتها ولو انه سيعود الى روسيا الفضل في ابقاء النظام السوري حيا ويعزز نفوذها في مقابل نفوذ ايران لكن من دون ان ينقضه. وليس محتملا وفق المصادر الديبلوماسية المعنية ان تخفف التسوية التي تطرح في ظل احتلال روسيا الواجهة السورية بدلا من ايران وطأة التسوية التي تعطي في النهاية المحور الروسي الايراني مع الأسد ما يريده. فهذا البعد لا يغيب عن حسابات الدول العربية ورؤيتها للمنطقة. ووفق احد الديبلوماسيين فإن الأمر يعتبر تغليفا للسيطرة الايرانية وتدعيمها بنفوذ روسي اكبر واوسع تأثيرا لا يلغي النفوذ الايراني بل يعززه. اما اذا كان ما يطرح هو سقوف مرتفعة للتفاوض وفق ما يرجح البعض انطلاقاً من اقتناع راسخ بأن لا روسيا ولا ايران يمكنهما ان يعيدا للأسد ما يحتاج اليه من شرعية فقدها على غالبية الأراضي السورية والعودة الى حكم الغالبية السنية التي لن تقبل بالتراجع والقبول به، فهذا أمر اخر. والكرة في هذا الاطار في ملعب تركيا والدول العربية للضغط في الاتجاه المعاكس.