Site icon IMLebanon

الخطوط العريضة لخطة ترمب للسلام

 

بعد العمل على وضع خطة السلام على مدار عامين ونصف العام، تشير تقارير حالية إلى أن إدارة ترمب تعتزم تقديم خطتها في المستقبل القريب. ومن المفترض أن ينتظر الإعلان عنها إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية. ولكن إذا صدقت هذه التقارير، ويبدو أنها خرجت نتيجة لزيارة جاريد كوشنر إلى المنطقة، فسيكون من المخطط أن يعرض الرئيس ترمب الخطوط العريضة للخطة في كامب ديفيد على عدد من القادة العرب البارزين.

في هذه المرحلة، من المحتمل أن يكون هؤلاء القادة العرب الذين من المرجح دعوتهم قلقين أكثر من كونهم متفائلين بشأن مضمون الخطة المقترحة. حتى الآن، لم يتم إخبار المصريين والأردنيين والسعوديين والإماراتيين إلا بالقليل عن محتوى الجانب السياسي من الخطة. ربما يعتقدون أن الجانب الاقتصادي منها يقدم إمكانية حقيقية، ولكنهم يعرفون أنه إذا لم يكن من الممكن الدفاع عن جانبها السياسي، فمن المستبعد تنفيذها. علاوة على ذلك، لا يُعد السياق الذي ستُقدم فيه الخطة محبذاً على وجه خاص. لن يذهب الفلسطينيون إلى كامب ديفيد، وسوف يرفضون الخطة دون قراءتها. والسعوديون والإماراتيون يواجهون تهديدات متزايدة من إيران، في حين يبدو أن الإدارة لا تملك رداً على هذه التهديدات إلا بفرض مزيد من العقوبات. ولا شك أن الإيرانيين سوف يسعون إلى استغلال الرفض الفلسطيني للخطة لحشد الرأي العام ضد قيادتهم.

ولا تعد مصر والأردن على وجه الخصوص محصنين ضد مخاوف مشابهة. لدى الجميع سبب للقلق من أن الخطة لن تجعلهم في موقف المستجيب. فالإدارة تخاطب حتى الآن الاحتياجات الإسرائيلية، ولكنها تتجاهل احتياجات الفلسطينيين، بل إنها لم تُبدِ رغبة في دعم قيام دولة كوسيلة لتوضيح اعترافها بالهوية الوطنية الفلسطينية. والأسوأ من ذلك أن الإدارة كما يبدو تعاقب الفلسطينيين بقطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية، بما فيها المستشفيات، بالإضافة إلى وقف دعمها للأونروا واللاجئين الفلسطينيين. حتى إن وجد سبب منطقي لإنهاء تمويل الأونروا، لماذا لا يتم الإلغاء التدريجي للدعم، وفي الوقت نفسه تحويل الأموال المقطوعة عن الأونروا إلى تمويل المدارس والمساعدات الغذائية وبرامج العمل في غزة؟ على الأقل قد يُظهر ذلك رغبة حقيقية في تلبية الاحتياجات الفعلية للفلسطينيين.

يشير كل هذا إلى عدم حماس المدعوين العرب المحتملين لاجتماع كامب ديفيد. قد يكون من المفيد إطلاع القادة العرب على الخطة قبيل اللقاء ومعرفتهم بأن الإدارة سوف تضع في الحسبان بعضاً من تعليقاتهم على محتواها والطريقة التي توصف وتؤطر بها مسائل معينة. بالطبع من وجهة نظرهم، سيكون من الأفضل أن يعلموا إن كانت الخطة تحتوي على نقاط بها إشكاليات، فسوف تجتاز عقبتين ضروريتين لتناول الطموحات الوطنية الفلسطينية، وهما إقامة دولة، واتخاذ عاصمة لتلك الدولة في جزء كبير من القدس الشرقية العربية. إذا أخفقت الخطة في اجتياز هاتين العقبتين، فسيكون أفضل ما يمكن أن تنتظره الإدارة هو صمت القادة العرب عن الخطة ودعوات للفلسطينيين لمشاركة الإدارة في تناول مخاوفهم. حتى هذا قد يكون صعب المنال.

يوجد أمر آخر تستطيع الإدارة أن تفعله لتحسين السياق والبيئة التي سيتم فيها تقديم الخطة. نظراً إلى أن الوضع الحالي غير محبذ إلى حد ما بسبب المعارضة الفلسطينية، لماذا لا يتم اتخاذ خطوة تعكس الاهتمام بالفلسطينيين، وتكون خطوة عملية؟ لماذا لا تركز المباحثات مع القادة العرب على الخطة، وكذلك على حزمة لتحقيق الاستقرار في غزة والضفة الغربية؟

إن مخاطر انفجار الوضع في الضفة وغزة تتصاعد؛ وبينما تحسنت الأوضاع في غزة قليلاً، مع استمرار الكهرباء لفترة تتراوح بين 16 إلى 18 ساعة يومياً، يظل استمرارها على مدار 24 ساعة والحفاظ على إمداد المياه وضمان معالجة الصرف الصحي احتياجات أساسية. ولن يُحدِث تمويل برنامج العمل الذي صاغه نيكولاي ملادينوف منسق الأمم المتحدة لعملية السلام تحويلاً للأوضاع في غزة، ولكنه قد يُشكل قاعدة جديدة ويضفي شعوراً بأن الحياة يمكن أن تتحسن، وهذا سوف يضع ضغوطاً شعبية على «حماس» لتجنب تفجر الأوضاع مرة أخرى وعدم زيادة المصاعب التي يعاني منها سكان غزة.

تختلف الاحتياجات في الضفة الغربية، ولكن توجد بها أزمة مالية، تسبب بها في الحقيقة رفض الرئيس عباس الالتزامات أو الضرائب التي تجمعها إسرائيل وتحولها شهرياً إلى السلطة الفلسطينية. كان الكنيست الإسرائيلي قد مرر قانوناً في شهر فبراير (شباط) يلزم الحكومة بأن تخصم من التحويلات الشهرية المبالغ المالية التي تعطيها السلطة الفلسطينية إلى عائلات من يقبعون داخل السجون الإسرائيلية بسبب ارتكابهم أعمال عنف ضد الإسرائيليين.

تجدر الإشارة هنا إلى بعض الحقائق. تستمر السلطة الفلسطينية في تقديم الأموال إلى تلك العائلات، إذ تعطيهم الأولوية على أوجه إنفاق أخرى. وبدورها تخصم إسرائيل نحو 6 في المائة أو ما يعادل 11 مليون دولار من مبلغ 187 مليون دولار تحولها عادة. يعني ذلك أن عباس يرفض 176 مليون دولار شهرياً لا تزال متاحة، والتي تشكل أكثر من ثلثي ميزانية السلطة الفلسطينية. والنتيجة الأخيرة هي أزمة مالية في الضفة الغربية، وعاجلاً أم آجلاً قد يسفر ذلك عن أمر ما، ولن يؤدي انفجار الوضع في الضفة الغربية إلى سوء الظروف في المنطقة فحسب، بل من المؤكد أن الإيرانيين سوف يستغلونه.

على الرغم من ذلك يوجد مَخرج. لماذا لا تقترح الإدارة الأميركية على الأطراف العربية الرئيسية أن يذهبوا إلى الرئيس عباس ويعرضوا عليه التعويض عن مبلغ 11 مليون دولار الذي خصمته إسرائيل، في مقابل حصوله على مبلغ 176 مليون دولار، الشهري المتاح. ويمكن أن يقول القادة العرب لعباس إنه بالفعل يتحدى الإسرائيليين، فليأخذ الأموال التي تخصه، علماً بأنهم لا يستطيعون تعويضه عن ذلك المبلغ. ويمكنهم تقديم بعض الغطاء بالقول علناً إنهم لا يرون أن إسرائيل لها الحق في منع الأموال الفلسطينية؛ وإنهم سيعوضون ما خصمه الإسرائيليون ويؤيدون موقف عباس المسؤول عن تسلم الأموال الفلسطينية المتبقية لتلبية الاحتياجات الفعلية للشعب. (في هذه المرحلة، يوجد نحو مليار دولار في البنوك، في انتظار تسلم السلطة الفلسطينية لها، وسوف يحقق هذا المبلغ بوضوح اختلافاً هائلاً للفلسطينيين).

يمكن أن يبني تحقيق شيء للفلسطينيين، وإن كان على نحو غير مباشر، مصداقية للإدارة الأميركية، عندما لا تملك سوى القليل منها، إلى جانب ميزة منع انفجار الأوضاع. وسيظل على الإدارة مواجهة معركة صعبة في الترويج لخطتها. ولكن إذا تحركت الإدارة لتغيير الأوضاع، ربما تجد آذاناً صاغية لخطتها. وهذا أفضل ما يمكن أن ترجوه في الوقت الحالي.

– خاص بـ «الشرق الأوسط»