IMLebanon

توقعات مستقبلية للإقتصاد العالمي: تناقضات مُريبة

 

يتطلع العالم اليوم الى سنة ٢٠١٨ بنظرة تفاؤلية نسبيًا سيما وان الاقتصاد العالمي يحقق نموًا لا بأس به وتقلبات الاسواق منخفضة تاريخيًا وحتى الالمان الذين طالما اشتهروا بنظرتهم التشاؤمية للبيانات والمؤشرات اعلنوا أخيراً وعلى لسان Clemens Fuest رئيس معهد IFO في جامعة ميونيخ انه لا توجد اي «عقبة واضحة» والمؤشرات ايجابية جدًا.

يرى صندوق النقد الدولي ان الاقتصاد العالمي سيشهد زيادة في النشاط وتعزيزا في معايير النمو وحسبه دائمًا ان الوقت سيكون مناسبًا لمعالجة مسائل لم يتطرق لها العالم خلال فترة الأزمة المالية العالمية في العام ٢٠٠٧ – ٢٠٠٩ مثل اجراءات رفع سن التقاعد وتسهيل عمل الشركات في سياستهم التوظيفية.

ويتنبأ اقتصاديو بلومبيرغ بنمو الاقتصاد الاميركي بنسبة ٢،٥ بالمائة في العام ٢٠١٨ والصين ٦،٤ وستشهد اليابان نموا بمقدار ٠،٩ بالمائة والمانيا ١،٦ بالمائة. هذه الارقام متناغمة مع ارقام النمو التي حدثت في العام ٢٠١٧ والتي كانت افضل بكثير مما يتوقعها الاقتصاديون.

وهذه الصورة التفاؤلية سوف تنعكس بوضوح وبصورة خاصة على هذه العوامل الثلاثة:

١- تزامن الانتعاش العالمي مع المؤشرات الملائمة من الصين واليابان، كذلك اوروبا واميركا، والنمو القوي للعمالة في الولايات المتحدة الاميركية والذي عزّز الرسالة بأن الاقتصاد العالمي لا يزال يكتسب زخماً.

٢- عدم اليقين الاقتصادي في اوروبا مع الـ Brexit والذي تراجع الى حد ما بعد مفاوضات طويلة توصلوا فيها الى نوع من الاتفاق على كيفية الطلاق. وهذا يفتح الطريق امام المرحلة الثانية من المفاوضات الاقتصادية.

٣- قبول الاسواق لسياسة رفع اسعار الفوائد من قبل الفدرالي الاميركي دون تعطيل الاسواق المالية.

وهناك سؤال هام يطرح نفسه وهو اذا ما كان العام ٢٠١٨ سيكون للمستهلكين ورجال الاعمال على حاله سيما في ظل التهديدات الجيوسياسية المروعة. على سبيل المثال، كوريا الجنوبية شهدت تهديدات نووية من جانب كوريا الشمالية كذلك تهديدات ترامب بالاخلال باتفاقية التجارة الحرة. وبالرغم من ذلك، ما زالت اسواق كوريا تشهد نموًا مضطردًا مع احتمالات كبيرة لرفع اسعار الفوائد والذي يتوقع الخبراء حدوثه في العام المقبل.

كذلك، وعلى سبيل المثال، وعلى الجانب الآخر من الكوكب اقتصاد المملكة المتحدة والذي جاء افضل بكثير مما هو متوقع له في ضوء عدم اليقين من تداعيات الـ Brexit على اقتصادها واسبانيا التي يمكن ان تفقد خمس اقتصادها اذا نجحت Catalonia في الانشقاق عنها سيما مع المؤتمر غير المصرّح له بالاستفتاء على الاستقلال في ايلول المقبل.

كل ذلك في ظل عدم التناغم واختلاف الرؤيا بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والمستشارة الالمانية انجيلا ميركل، كذلك انتخابات البرلمان الاوروبي القادمة واختبار رئيس جديد للبنك المركزي الاوروبي في العام ٢٠١٩. لذلك قد يكون العام ٢٠١٨ وفي ظل هذه التحولات فرصة لتحديد معالم جديدة للاتحاد.

اضف الى ذلك اسباب اخرى قد تهز الاقتصاد العالمي واكثريتها قد تكون داخل الولايات المتحدة حسب ويليم Buiter كبير الاقتصاديين في Citigroup وهو اكثر تفاؤلًا في شأن الامور خارج الولايات المتحدة الاميركية، وهذا ايضًا ما قاله مايكل فرومان الذي كان الممثل التجاري الاميركي في عهد الرئيس اوباما.

يكمن الخطر أيضًا مع مجلس الاحتياطي الفدرالي الذي قد يرفع الفوائد بسرعة تجعل من الصعب على الدول النامية الايفاء بديونها. كذلك هناك الاصلاح الضريبي والذي قد لا يفي بالتوقعات، وتباطؤ الانتاجية الاميركية، وهي امور اخرى تشير الى امكانية تفاقم الاوضاع كالاتفاقيات التجارية مع المكسيك وكندا والذي هدّد ترامب بانهائها.

ومن دواعي القلق بالنسبة للاقتصاد العالمي ككل هو الانتعاش الذي حصل مع كثير من الديون. اضف الى ذلك التباين الكبير في اسعار الفوائد بين اميركا واوروبا واليابان وغيرها من الاقتصادات المتقدمة الكبرى، وهذا يعني، حسب منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي OECD خطر التقلبات في الاسواق المالية سيما التوترات في اسعار الصرف بما يمكن ان يؤدّي الى عدم الاستقرار المالي الاوسع.

اضف الى ذلك الاعتماد المفرط على السياسة النقدية في السنوات الاخيرة مما أدّى الى فترات طويلة من اسعار فوائد منخفضة للغاية وارتفاع مستوى الديون في بعض البلدان. واشار صندوق النقد الدولي الى ان مستوى الديون شهد اكبر مستويات له في العالم و Bill Cross حذّر من مستوى الديون الاميركية والتي شهدت ارتفاعات كبيرة.

أخيرًا، لا آخرًا سياسة الغموض التي تلف الدول وانخفاض الثقة بالحكومات الوطنية كذلك انخفاض ثقة الناخبين مما يجعل من الصعب على الحكومات تحقيق نمو شامل وقوي، وخير مثال على ذلك سياسة ترامب المتقلبة وغير الاكيدة، وخروج المملكة المتحدة من اوروبا، وايضًا الحملات الانفصالية التي نشأت في اوروبا مؤخرًا، والتوترات الجيوسياسية الحاصلة في الشرق الاوسط.

الى ذلك، فان التهديدات التي تقوم بها كوريا الشمالية بشكل متواصل يؤدي الى غموض فعلي في الاجواء العالمية ولا يشجع عملية الاستثمار، وقد يضر بالنمو على المدى البعيد.

لذلك نرى ان موجة التفاؤل التي يشهدها العالم بالنسبة للعام ٢٠١٨ يلفها غموض قد يؤثر سلبًا على السياسات المالية والنقدية والتحويلات التجارية ويجعل الامور معقدة اكثر من اللزوم. لذلك هنالك الكثير من الاسباب للحذر والسؤال عن الوقت الذي سوف تحدث فيه الانتكاسة وقد لا يكون ذلك في العام ٢٠١٨ لكن من الممكن كثيرًا ان يكون الموعد في العام ٢٠١٩.