المجتمع الدولي سيواجه «تشرنوبيل ديموغرافي»
إخراج النزوح السوري من دائرة التجاذب.. خيار الضرورة
هل صار لزاما على النخب اللبنانية المعنية الدخول بقوة على ملف النزوح السوري وانتاج توافقات حول سبل المعالجة، تؤدي الى تبنيها من الفرقاء السياسيين لكي تترجم على مستوى القرار السياسي؟
ربما اصبح هذا الامر ملحا جدا لا يحتمل الانتظار. فالأزمة السورية تسببت باشكالات عدة أنتجت التجاذب وانعدام البصيرة وسوء التشخيص والكيد، عبر ظن كل فريق بالآخر وانتظار حدث خارجي لتوظيفه في الصراع الداخلي حتى صار رفض التصالح يحكم بينهم.
راهنت القوى اللبنانية المتصارعة على الازمة السورية وانتصار فريق وهزيمة الفريق الآخر لاستثمار ذلك في الواقع الداخلي، علماً أن التحول في موازين القوى في سوريا، لا يرتبط كلياً بالقدرات الذاتية للمتصارعين، فالمجتمع الدولي لم يقف متفرجا، بل كان هو الذي يعدّل موازين القوى مرة هنا ومرة هناك.
استطاعت الحكومة الحالية ان تجمع حولها توافقا بالحد الادنى حول النظرة إلى الأزمة السورية وتشخيصها وتوصيفها، ولم تعد القضية السورية وسيلة من وسائل الصراع القائم بين الاطراف، إلا ما يحصل اليوم من محاولة لاثارة قضية حول عرسال التي هي احد تجليات الصراع المستمر منذ سنوات في سوريا.
يعتقد مرجع رسمي انه بالاضافة الى الجهود الاساسية والحاسمة للاجهزة العسكرية والامنية، فان سبب الامن والاستقرار هو «حسن أخلاق الشعب السوري المقيم معنا في لبنان، فهم ليسوا تسعين الف لاجئ في عرسال، بل إنهم مليون ونصف المليون لاجئ سوري يتواجدون في كل خلايا الجسم اللبناني، ولحسن الحظ لم ينتظموا سياسيا حتى اليوم، والكارثة اذا انتظموا في افرقاء عدة. ولحسن الحظ ايضا انهم لم ينتظموا عسكريا. وعلينا التنبه تماما إلى ان ازمة اللاجئين السوريين لم تعد ازمة بيئة وصرف صحي ومدارس ومستشفيات وفرص عمل، انما اصبحت قضية امنية وسياسية من شأنها ان تهدد الوضع في لبنان».
ويوضح المرجع انه بالرغم من وضع خطة للمعالجة ـ لم تنفذ ـ «حصل تحسّن نسبي في التعاطي مع اللاجئين السوريين، هذا التحسن من الصعب ان يتحسن بشكل ملموس وكبير إلا بشروط، ابرزها ان تشعر الدولة اللبنانية ان هذه القضية غير صالحة لكي تكون موضوع تجاذب واختلاف، كما ليست صالحة لتكون أداة تعبير كل فريق للفريق للآخر، هذا الخطر لا يميّز احدا عن احد أيّا كانت انتماءاته وافكاره ودينه ومذهبه».
ويشير المرجع الى ان «اول ما بحث هو موضوع المخيمات. هذا تدبير لا بد منه لكي تحكم الدولة سيطرتها على الوضع ولكي تطلع وتعرف ويكون لها خريطة ديموغرافية لتوزع اللاجئين في لبنان. ولكن وقف فريق سياسي بحزم ضد اقامة المخيمات على خلفية التجربة مع مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، ليعود الفريق نفسه ويطرح اخراج اللاجئين من عرسال ووضعهم في مخيمات، اي انه عاد لفكرة المخيمات. ورغم الوقت الذي فات، اذا سمح بتنفيذ الخطة لإقامة المخيمات، فانه خلال ستة اشهر يتم تنفيس الاحتقان بنسبة كبيرة».
ويلفت المرجع الى أن «المجتمع الدولي يعطينا شهادات حسن السلوك وأن الذي حصل مع لبنان لم يحصل مع اي دولة اخرى، والحقيقة ان ما يحصل في لبنان لم يُشهَد له مثيلٌ في التاريخ، رغم ذلك، المساعدات المادية التي تصل تعتبر تافهة بالمقارنة مع حجم الازمة، وهم لا يعلمون ان البلدان التي تتلقف اللاجئين قد تصبح في لحظة من اللحظات «تشيرنوبيل ديموغرافي» غير مسبوق، لا يستطيع احد ايقاف اشعاعه لا حدودا ولا اجراءات امنية، لذلك المجتمع الدولي شريك بما يحصل، لان الشراكة في المعالجة ليست كلاما ولا قليلا من المال لان الشراكة في المعالجة يقاربها لبنان من زاوية المصير».
لا ينفع في قضية اللاجئين السوريين لا الزعل ولا الغيظ ولا النزعة العنصرية ولا التأفف… انما ما ينفع نظرة موضوعية رصينة ووحدة موقف وطني واتفاق على الاجراءات الداخلية، واتفاق على تكوين اللوبي اللازم الذي يفرض على المجتمع الدولي اما تأمين حل سياسي وإما مناطق آمنة يعاد اليها اللاجئون السوريون، على حد ما يقول المرجع الرسمي.