IMLebanon

بحثاً عن تدخل خارجي “يجوز”

 

هل بات الوقت ملائماً من أجل ظهور ضابط الإيقاع الخارجي للأزمة السياسية الاقتصادية والمعيشية غير المسبوقة في البلد، أم أننا نرى محاولات خارجية محدودة الفعالية من دول وهيئات دولية تسعى إلى تلمس طريق الحلول؟

 

إمتداد الأزمة وتفاقمها لأكثر من 11 شهراً أثبتا أن ما كان يحكم الوضع اللبناني على مر العقود من الاضطرابات، أي ضابط الإيقاع الخارجي الذي يظلل إدارة التأزم فيه أو تسيير شؤون مجتمعه ومؤسساته، صار مفقوداً.

 

إذا كان تاريخ لبنان السياسي يشهد على أن القوى الخارجية هي التي كانت تضبط انفلات الطوائف والمجموعات، منذ ما قبل الاستقلال، فإن الدول كافة سعت خلال الأشهر الماضية إلى لعب هذا الدور لكنها فشلت.

 

تولى الأمر الباب العالي العثماني ثم الفرنسي والبريطاني، وتبعهما الأميركي والمصري منتصف القرن الماضي، ثم النفوذ الفلسطيني الذي تبعه السوري وصولاً إلى اتفاق الطائف الذي فوض دمشق بإدارة البلد، بتوافق أميركي سعودي معه. ولذلك استفرد هو بالحصول على الثلث المعطل، إلى أن حل مكانه النفوذ الإيراني عبر “حزب الله”، لا سيما بعد نجاحه في السيطرة على الموقع المسيحي الأول في السلطة عبر إيصال حليفه العماد ميشال عون إلى الرئاسة.

 

إلا أن الأزمة المتمادية في البلد أثبتت أنه ليس بمقدور إيران إدارة الفسيفساء اللبنانية، وأن وكيلها “حزب الله” عاجز عن اجتراح التسويات التي تؤمن حداً أدنى من الاستقرار، بدليل أن كافة الاستعراضات من أجل التوصل إلى حلول لمسألة الفراغ الحكومي، ولتأمين الحد الأدنى من مقومات العيش واستمرار تدفق الحاجات الأساسية، بقيت وعوداً خذلت جمهور الحزب قبل سائر اللبنانيين، الذين لم تؤمن أكثريتهم بها منذ لحظة إطلاقها.

 

فالحزب نفسه يرمي بالمسؤولية على غيره، رغم اعتداده بحجمه ووزنه الإقليمي جراء توظيفه المشاركة في حروب المنطقة، وبقدرته على إدارة اقتصادات كبرى، كما قال قبل بضع سنوات أمينه العام السيد حسن نصر الله، مشيراً إلى إيران، التي تعاني الحصار والعزلة والقلّة. وهو يتساوى مع الآخرين من القوى السياسية المحلية. فما يتقنه في لبنان ليس ضبط إيقاع الحكم والمؤسسات السياسية، والمساومات التي تحد من غلو العصبيات، التي تسقط الأعراف وتكسر قواعد التوازنات اللبنانية، بل هو مثل هذه القوى يتقن التعطيل والعرقلة والإمساك بخيوط التأزيم، ويتناغم معها، ولا يجيد الحلول والمعالجات والمخارج والتأليف. تجارب حكومات اللون الواحد التي رعاها لا تحتاج إلى كثير عناء لاكتشاف مدى تسعيرها للصراعات بدل تهدئتها.

 

غياب ضابط الإيقاع الخارجي القادر على الإدارة منذ سنوات، أوقع لبنان في الحفرة العميقة التي باتت تتطلب جهداً دولياً استثنائياً وكبيراً لإخراجه منها.

 

في خطابه في نهاية يوم لبنان في الفاتيكان قال البابا فرنسيس إنه “يجب إعطاء اللبنانيين الفرصة ليكونوا بناة فرصة أفضل على أرضهم من دون تدخلات لا تجوز”. وهذا يعني أن البحث جارٍ عن نوع من التدخلات الخارجية التي “تجوز”، لضبط إيقاع الصراعات اللبنانية. وعلى رغم أن تساؤل جوزيف ستالين عن عدد الدبابات التي يملكها الفاتيكان قد يصح الآن، قياساً إلى ترسانة الحزب وإيران في المنطقة، فإن الصحيح أيضاً أن له دوراً محورياً في البحث الجاري عن صيغة دولية لضبط الإيقاع اللبناني. في محطات سابقة ومفصلية في لبنان كان للفاتيكان كلمته الصامتة، ودوره الحاسم، بما في ذلك عند تكريس اتفاق الطائف وإخراج العماد عون من بعبدا. ليس تفصيلاً أن يكرر البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي في عظته الأحد الماضي الدعوة إلى الحياد والمؤتمر الدولي لأجل لبنان، بعد عودته من اجتماع القادة الروحيين مع البابا، ما يوحي بضوء أخضر فاتيكاني…

 

غداً الخميس تواصل خلية الأزمة في الفاتيكان بحثها وتحركها الدولي في شأن أزمة لبنان. حرارة هذا الصيف تشمل حراكاً واسعاً حولها.