IMLebanon

الحلول المعلَّقة على حبال المصالح الدولية والإقليمية

تركيا تحولت فجأة إلى علاقاتها مع إيران وانتقلت إلى علاقة « شهر عسل» متجدد معها، تكلّلت بزيارة رئيس الوزراء التركي إلى طهران، وكانت هذه الزيارة إقتصادية بامتياز، حيث صرّح رئيس الوزراء التركي في حضور عشرات من المسؤولين الإيرانيين كانوا في استقباله، عن امكانية إحداث تبادل في السلع الصناعية والزراعية وتنشيط الحركة السياحية ما بين البلدين ضمن إطار سقف مالي يناهز الثلاثين مليار دولار سنويا. صحيح أن العلاقات ما بين البلدين قد تجاوزت الخصامات والحروب التاريخية التي نشأت تاريخيا بين الدولتين العثمانية والفارسية، وصحيح أن الأزمة السورية التي دسّت إيران أصابعها في أسبابها وتطوراتها، قد أحدثت بعض الشروخ في مسيرة العلاقات الإيرانية التركية. وصحيح أن العلاقة الوثيقة التي تربط تركيا بالولايات المتحدة مشفوعة بارتباطها بعضوية الحلف الأطلسي، قد سبق أن تركت أكثر من فجوة في العلاقات ما بين البلدين، وصحيح أن توقيع الإتفاقية الأميركية – الغربية مع إيران حول حظر السلاح النووي، قد قللت من حجم العثرات التي كانت قائمة ما بين البلدين، يوم كان الشعار السائد في إيران: الموت لأميركا إنما الواقع الأصح، هو الذي كان وما يزال منطلقا من نقطة التقاء مشتركة كانت وما زالت تشغل اهتمام وقلق البلدين في موضوع تعتبرُ كلِّ من قيادتيهما أنه يهدد وجودهما ومصالحهما الوطنية والقومية ووحدة أراضيهما بخطر ملحوظ بدأ مؤخرا باتخاذ أبعاد متضخمة في حجمها وفي قوة اندفاعها وفي اتساع دائرة التأييد الدولي الذي تتلقاه، ألا وهو السعي الحثيث الذي يبذله الأكراد في كل من تركيا وسوريا وإيران والعراق بهدف توحيد كياناتهم المبعثرة بين الدول المذكورة، وباتجاه إنشاء دولة كردية كبرى مستقلةٍ كلياً عن هذه الدول. تركيا، المهرولة حديثا إلى إيران تحت شعاراتٍ إقتصادية، لا ينكر أحد أهميتها المتلطّية تحت شعارات محاربة الإرهاب، والإرهاب بالنسبة لتركيا يعني الخطر الكردي الذي بات يطل عليها من أكثر من حدود وأكثر من زاوية، وهي إن تحدثت عن مواجهات محتملة على الأرض السورية، فهي قد باتت تعني بها بالدرجة الأولى، مهاجمة ما تسميه بالميليشيات الكردية التي استغلت أحداث سوريا المنطلقة إلى الوجود قبل خمسة أعوام، وقد تحوّلت هذه الأحداث مع الوقت، إلى ساحة للصراع الإقليمي وتحوّلت منه إلى صراع دولي جمع إليه أكثر من قوة رئيسية من قوى العالم وفي طليعتها روسيا والولايات المتحدة الأميركية فضلا عن قوى إقليمية عديدة وفي طليعتها كل من إيران والمملكة العربية السعودية. ومن منطلق أن الشيء بالشيء يذكر، وطالما أن كُلاً من تركيا والمملكة هما المتوافقان الرئيسيان على إنشاء القوة الإسلامية المشتركة لمحاربة الإرهاب الداعشي، وطالما أن المملكة قد باتت على تحفّز دائم ومحاربة متطورة للخطر الإيراني المستفحل على دول عديدة في المشرق العربي وعلى بلدان الخليج وفي طليعتها المملكة العربية السعودية، وقد وصلت «الطرابيش» الخلافية لهذا النزاع إلى صلب الدولة اللبنانية من خلال التطورات المعروفة في تلك العلاقات وآثارها الفادحة على المجمل اللبناني، وطالما أن هناك مناورات مشتركة تتم في هذا الخصوص توطئة لإمكانية الدخول في حرب مقبلة على الأرض السورية ضد داعش وأخواتها، وقد صرّح المسؤولون الأتراك والسعوديون معا أن ذلك سيتم في إطار الجمع الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة بهذا الخصوص. وعليه، ما هي حقيقة ما يحصل؟ هل هو نتيجة لخلافات تركية سعودية طرأت أم هو بالعكس، نتيجة لجهود دولية نشأت خاصة في المراحل الأخيرة، وباتت تسعى لإيجاد حلول كبرى شاملة، تلطّف النزاعات الإقليمية وتخففها توطئة لايجاد الحلول لها. كثير من الأزمات الإقليمية والدولية، تتفاقم أمورها وأخطارها، ليتم حلّها لاحقا، سياسيا وعسكريا، على نار حامية فهل إن الحاصل هو من بين المقدمات المؤدية إلى هذه النتيجة؟ هل الهدنة في سوريا، والتي وجدت مع صعوبات تحقيقها، من يفرضها فرضا ويترك في الآفاق السورية بعضا من وقف لإطلاق النار وبعضا من بوادر هدنة يبدو أنها بدأت تترسخ ويتسع نطاقها رغم العوائق والصعوبات والخروقات؟ تؤكد بعض الأحوال القائمة بظواهرها وخباياها أن اتفاقا اميركيا – روسيا قائم فعليا باتجاه ترتيب الأوضاع القائمة في إطار حل ما يبدو أنه قد تم التوافق على الكثير من تفاصيله، كما يبدو أن القوى الإقليمية ليست بعيدة عن الإلمام بمعظم هذه التفاصيل وعن الإسهام في ترتيباتها ومراحلها العملانية المحتملة، مشيرين إلى أن التوافقات الكبرى وأخذ العلم الإقليمي بها لم تصل بعد إلاّ إلى توافقات ضمن الإطارات العامة، وبقي هناك كثير من الأوضاع والتطلّعات التي تحتاج إلى مزيد من التدارس والتوافق واستقطاب الموافقات الإقليمية عليها، مخلّفة وراءها كثيرا من التساؤلات والشكوك وعلامات الإستفهام والتعجب.

ما هي الأثمان التي سيتم دفعها في مقابل تحقق ما يُشغل لتحقيقه من هذه الحلول التي تبقى محجوزا عليها في سجن الإنتظار حتى إشعار آخر؟ هل ستتم الإستجابة للإقتراحات التي انهمرت مقترحة تقسيم سوريا من خلال اقتراح تقطيعها إلى شقف جغرافية تحت ستار الدولة الفدرالية التي تضم قسمين هما الأبرز في عملية التقطيع المقترحة: القسم العلوي، والقسم الكردي، إضافة إلى القسم الأكبر مساحة وعددا وهو القسم السني. وهل ستكون الأماكن العلوية مركزا ثابتا ومستمرا يؤوي إليه القواعد والقوى الروسية ويكون من حصة هذه «الدولة»، الثروة الغازية، بينما يكون القسم الكردي مشتملا على المناطق الحافلة بالثروات النفطية؟

إن رفض هذه الإقتراحات والتوقعات المشبوهة في حال حصوله، سيلغي ولو إلى حين إمكانية تحقق حلّ قريب للمسألة السورية وملحقها الأقرب، الأزمة اللبنانية، وستجمّد حلول هاتين المسألتين إلى ما بعد انتهاء إنتخابات الرئاسة الأميركية وما تحتاجه من وقت لاحق حتى يتم تركيب الإدارة الأميركية المقبلة، والإنتهاء من وضع التوافقات النهائية على مصير المنطقة، ويتم ذلك في إطار من التساؤل: هل تحتمل روسيا كل هذا الانتظار؟ وهي غاطسة في هذه الحرب الضروس حتى تنقشع كل هذه الغيوم وكل هذه الإشكالات وكل هذه التأجيلات، وهل سيكون بمقدورها الصمود الإقتصادي في ظل الحرب الدائرة روسيّاً على الأرض السورية في الوقت الذي بدأت آثار هذا الإنغماس وهذا التورط، تظهر نتائجها وانعكاساتها السيئة على أوضاعها الإقتصادية المضطربة والمتهاوية منذ ما يزيد على الأربعة شهور؟

تساؤلات عديدة، تتخفّى خلفها كثير من المخططات والتوقعات والمصالح الصغرى والكبرى.

أما ذلك الشعب المنكوب، الشعب السوري وزميله في المعاناة الشعب اللبناني، فأمرهما يبقى معلقا، في حبال المصالح الدولية والإقليمية المتصارعة والمتناقضة، ومعهما جملة أخرى من بلدان هذه المنطقة المنكوبة.