IMLebanon

مجمّع الأوزاعي في صيدا للّاجئين السوريين… 200 عائلة بلا مساعدات منذ 2016

 

في “السجن الكبير”… “موت على البطيء” إلى حين العودة

أطفال سوريون يلهون في المجمّع

تراجعت قضية عودة اللاجئين السوريين الى بلادهم بشكل لافت، خصوصاً بعد أشهر من وضع القضية على نار حامية، ولم تكن عودتهم الطوعية على مراحل مشجعة في ظل “البازار” السياسي والاختلاف اللبناني والدولي بين مشجع لها ومتحفظ عليها لاعتبارات كثيرة. وواجهت خلال هذه الفترة الحكومة برئاسة الرئيس سعد الحريري تحديات كثيرة، لجهة كيفية معالجة القضية بعدما باتت تشكل عبئاً سياسياً واجتماعياً وانسانياً وأمنياً على الواقع اللبناني وصل الى حد اتخاذ قرارات وصفت بـ”العنصرية”.

 

منذ الأيام الأولى لولادة الحكومة وحتى قبل نيلها الثقة (15 شباط الماضي)، زار وزير الدولة لشؤون “النازحين” صالح الغريب، وهو المقرب من النائب طلال ارسلان حليف سوريا، دمشق وأثارت زيارته جدلاً سياسياً واسعاً بين أركان الحكومة، إذ جرت من دون تنسيق مسبق معها، كما أنها لم تثمر أي نتائج، فيما اعتبرها البعض خطوة أولى على طريق المعالجة وقطع الطريق على مخاوف التوطين التي تؤرق المسؤولين اللبنانيين على مختلف انتماءاتهم وطوائفهم، وآخر رأى فيها بداية التعثر الحكومي لإثارة قضية خلافية في الجلسة الأولى، خصوصاً بعدما اعتُبرت أنها تشكل خرقاً للبيان الوزاري الذي وضع آلية للتعاطي مع الأزمة ممثلة بـ”المبادرة الروسية”. في المقابل، كشفت هذه الزيارة بوضوح أن ثمة خلافاً في كيفية التعاطي مع قضية اللاجئين السوريين على المستويين: السياسي بين قوى معارضة للنظام السوري تريد عودة آمنة وطوعية للاجئين، وبين قوى حليفة للنظام السوري تريد إعادتهم و”نقطة على السطر” لاعتبارات مختلفة، منها ما يتحدث عن حال “الداخل السوري والحفاظ على التنوع” ومنها ما يتعلق “بالداخل اللبناني وقطع الطريق على أي توتير أمني” ومنها ما يرتبط بغايات سياسية.

 

وبين الخلافين وفي ظل المراوحة، اتجهت الأزمة نحو اعتماد مسارين متوازيين لوضع حل لهذه القضية، الأول: إعتماد خطة “العودة الطوعية” للاجئين السوريين مع تقديم كل التسهيلات اللازمة، انطلاقاً من تسوية أوضاعهم القانونية على المستوى اللبناني ومع الجانب الأمني السوري لعدم توقيفهم او التحقيق معهم وفق لوائح اسمية مسبقة، مروراً بإعفائهم من الغرامات المالية نتيجة المخالفات، وصولاً الى تأمين انتقالهم بأمان إلى بلادهم مجاناً، وقد تولى هذه المهمة الأمن العام الذي يوصف مديره العام اللواء عباس ابراهيم برجل “المهمات الصعبة”، ولكن الوقائع لم تكن مشجعة نظراً الى قلة عدد المغادرين (نحو 172 الفاً من أيار 2018 حتى آذار 2019 أي ما نسبته نحو 6%)، قياساً الى عدد المتواجدين حالياً (نحو مليون وثلاثماية ألف لاجئ).

 

الثاني: عبر إجراءات قضائية – أمنية، تعتمد سلسلة من الاجراءات الميدانية، أولها: تشديد الرقابة عليهم وتحديد ساعات تنقلاتهم ليلاً من قبل بعض البلديات التي تحظر عليهم التجوال من السادسة مساءً حتى السادسة صباحاً. ثانيها: التشدّد في التثبت من أوراقهم القانونية. ثالثها: مداهمة مجمعاتهم والبحث عن مطلوبين بينهم وتوقيف المخالفين. ورابعها: إقفال محال يشغلونها من دون تراخيص ضمن حملة وزارة العمل تنظيم اليد العاملة غير اللبنانية، وكلها عوامل تدفعهم للانتقال إلى بلادهم بعد سد أفق تأمين قوت يومهم أو التوجه بقاعاً حيث العمل بالزراعة أسهل ولا يتطلب كل هذه التعقيدات الادارية.

حياة الفقر

 

في “مجمّع الاوزاعي” للاجئين السوريين في مدينة صيدا، وهو الأكبر جنوباً إذ إنه يضم نحو 200 عائلة، تشخص أنظار المقيمين فيه منذ سنوات نحو العودة الآمنة إلى منازلهم، لكن الأحداث الأمنية المستمرة في مناطق ريف حماة الشمالي تحول دون تحقيق الهدف، لأن غالبيتهم من “سهل الغاب”، حيث السيطرة للمعارضة وما زالت المعارك الضارية تدور هناك بين الحين والآخر.

 

داخل المجمع، أنشئت مدرسة وقبلها مستوصف طبي متواضع، ولكن مساعدات الأمم المتحدة المالية والعينية توقفت عنهم منذ العام 2016 باستثناء الصحية منها، وتقول اللاجئة السورية ميسرة سعيد لـ”نداء الوطن”: “نريد العودة الى بلداتنا بشكل آمن ولكن الأحداث ما زالت قائمة في ريف حماة الشمالي ما يحول دون ذلك”، قبل ان تضيف: “ننام كل ليلة على أمل العودة نهاراً”.

 

يعتمد اللاجئون في المجمع على الأعمال اليومية أو الموسمية، فالنساء يعملن في الحقول والخيام لقطف الخضار والفواكه والزراعة، بينما الرجال ينتظرون عملاً يومياً لكسب قوت يومهم، ويؤكد محمد سلوم “في كثير من الاحيان نبقى عاطلين من العمل وفي بعضها لا نأكل إلا اليسير، الخبز والشاي، أو البطاطا والبيض”، قبل أن يضيف: “الحياة هنا قاسية وصعبة… ولكن لا مفر منها بانتظار الفرج الذي نأمل ان يكون قريباً”.

 

فرج طال انتظاره، وتحوّل عبئاً على لبنان. فمع بداية الأزمة، احتضن اللبنانيون اللاجئين السوريين في مختلف المناطق، فتحوا لهم المنازل وقدموا لهم المساعدات وتقاسموا معهم الخبز والملح والرغيف، لكن مع طول أمد الأزمة، بدأ الاحتضان يتحول إلى “انزعاج” ثم “استياء”، قبل ان يضيقوا ذرعاً بهم، خصوصاً مع الهواجس الأمنية والمخاوف من أن يصبح هؤلاء “قنابل موقوتة”، بعدما جرى تشويه صورة السوري من التنظيمات الإرهابية، إضافة إلى حصول عدد من الجرائم بهدف السرقة، والتي تحصل في أي مجتمع، لبناني أو حتى فلسطيني أحياناً، فشددت السلطات الأمنية والبلدية الطوق على السوريين، قيدت تحركاتهم، ودققت في حصولهم على إقامة شرعية، أو “إجازة عمل”، ففضل بعضهم “العودة” إلى سوريا رغم كل المخاطر، والبعض الآخر “الهجرة” إلى الدول الأوروبية خصوصاً ألمانيا وبلجيكا، ركبوا البحر وتحدوا المخاطر والموت وبعضهم الثالث فضّل “البقاء” والانتظار حتى إشعار آخر. ويقول اسماعيل سعيد: “كل خياراتنا صعبة، العودة طوعاً ما زالت محفوفة بمخاطر الاقتتال من دون توفير الخدمات المطلوبة، والهجرة إلى الدول الأوروبية باتت صعبة ومستحيلة ودونها دفع أموال كثيرة والموت، والبقاء هنا موت من نوع آخر “على البطيء”، مع تراجع التقديمات الدولية وقلة ما تقدمه الجمعيات المحلية وانعدام فرص العمل وتضييق الإجراءات علينا، حتى بتنا نشعر أننا ضيوف غير مرغوب فينا”.

في شدة الحر… “حنفية مياه باردة” كافية لإسعاد طفل سوري

وحدهم الأطفال في المجمع، يخفون بابتسامتهم قساوة العيش، يلهون بفرح عفوي في باحته، على أرجوحة يدوية قديمة يتقاسمون الأدوار عليها، أو تحت حنفية مياه باردة، يطفئون بها حرارة أجسادهم ولهيب الرطوبة، غير مبالين بما يمكن أن تحمله لهم الأيام، وقد ولد بعضهم هنا ولم يشاهد بأم العين منزله أو بلدته في سوريا، وبعضهم الآخر غادرها قسراً وفق ما تقول الفتاة شهد السيد (8 سنوات): “أتمنى العودة إلى منزلي كي ألعب مع دميتي وأشعر بالاطمئنان، هنا كل شيء يذكرك بالمعاناة والحزن والاقتتال”. بينما تقول زينب أحمد: “لم أعرف طعم الفرح منذ سنوات، حتى العيد يمر علينا حزيناً، فقد قضى أحباؤنا ولم نودعهم، ونعيش هنا في سجن كبير، كله قيود، ونتحمل وزر غيرنا وندفع الثمن باهظاً من سنين عمرنا التي لن تعود ابداً، أتمنى أن أنام وأصحو وأجد نفسي في بلدي الأم سوريا”.

 

مجمع الأوزاعي

 

تعود ملكية مجمع الاوزاعي إلى كلية “الإمام الاوزاعي الشرعية” في بيروت وقد أنشأته بهدف افتتاح فرع للكلية في صيدا، غير ان قلة الموارد المالية دفعتها إلى وقف استكماله قبل عشرين عاماً تقريبا ثم بدأت الأحداث السورية ومعها اللجوء السوري تدريجياً إلى مختلف المناطق اللبنانية ووافقت الكلية على إقامة عدد من العائلات النازحة موقتا.

 

ومع اشتداد الأحداث السورية، قامت العائلات اللاجئة بدعوة أقاربها إلى الإقامة في “مجمع الاوزاعي”، حتى بات من اكبر التجمعات التي تضم اللاجئين السوريين وحاولت الكلية اخلاء المجمع منذ ثلاث سنوات ولكنها فشلت بعد اصرار اللاجئين على تأمين البديل عبر المفوضية العليا لشوؤن اللاجئين وبات أمراً واقعاً.