من حسنات الحوار بين «حزب الله» وتيار «المستقبل» الذي يحلو للبعض أن يُسمّيه حواراً شيعياً ـ سُنياً، أنه سيكون «برداً وسلاماً» على الواقع اللبناني المأزوم منذ سنوات سياسياً وطائفياً ومذهبياً، وأنه يفتح الباب أيضاً لحوار أوسع، ويفترض أن يفضي في النهاية الى حلٍّ وطني شامل إذا صدقت كل النيّات.
يرى مرجع سياسي أنّ الحوار بين «الحزب» و»المستقبل» هو حوار وطني في الدرجة الاولى لأنّ نتائجه ستسيل وطنياً وليس مذهبياً، فإنهاء التوتّر المذهبي الشيعي ـ السنّي يشكل خدمة وطنية جليلة يستفيد منها البلد بكل طوائفه، والأمر نفسه ينطبق على الحوار المرتقب بين التيار العوني و«القوات»، فالفتنة قتّالة ومدمّرة للوطن إذا حصلت بين المكونات السياسية والطائفية والمذهبية.
ولا يعتقدنَّ أيّ من هذه المكوّنات أنّ الفتنة اذا حصلت بين بعضها ستكون هي والبلاد في منأى عنها. فالإقتتال السنّي ـ الشيعي يحوّل البلد أرضاً محروقة، وكذلك الاقتتال المسيحي ـ المسيحي.
ولذلك، فإنّ الحوار بين «حزب الله» و«المستقبل» ببعدَيه السياسي والمذهبي، كان لا بد أن يلاقيه حوار بين «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية « ببُعديه السياسي والمسيحي أيضاً، لأن ما سيتفق عليه «الحزب» و»المستقبل» هو شأن لا يخصّهما وحدهما فقط، ولا الشيعة والسنّة فقط، وإنّما يخصّ «التيار» و»القوات» وحزب الكتائب وغيرهم من القوى السياسية والحزبية، فضلاً عن كل الطوائف والبلد برمّته.
ولعلّ ما يُكسب حوار «الحزب» و»المستقبل» أهميّة، هو أنّ مَن هندسه كان رئيس مجلس النواب نبيه برّي بصفتيه الرسمية والحزبية كرئيس لحركة «أمل»، ورئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط بصفتيه، بل بصفاته، كزعيم للطائفة الدرزية وكرئيس للحزب التقدمي الاشتراكي ورئيس لكتلة نيابية وازنة، ما يعني أنّ الرجلين شريكان فيه وليسا مهندسين له فقط، بدليل رعاية برّي شخصياً أو من خلال مشاركة معاونه السياسي الوزير علي حسن خليل في جلسات هذا الحوار التي تنعقد في مقر رئاسة مجلس النواب، وليس في أي مكان آخر بناء على رغبة الطرفين المتحاورين. وكذلك بدليل حرص هذين الطرفين على اطلاع جنبلاط على نتائج كل جلسة حوارية أوّلاً بأوّل.
على أنّ خوض تيار «المستقبل» بزعامة الرئيس سعد الحريري غمار الحوار مع «حزب الله»، انما يغطي الغالبية الساحقة في بيئته السياسية والمذهبية، ما يجعل الحوار ذو صفة شاملة بالمعنى الاسلامي.
ليلاقي الحوار المسيحي الذي لا بد أن يكون، او يكتسب صفة الشمولية المسيحية شيئاً فشيئاً مع احتمال انضمام حزب الكتائب اليه، وخصوصاً اذا انعقدت جلساته في مقر البطريركية المارونية، أو برعايتها في مكان آخر يمكن أن يختاره العونيون و»القواتيون».
والسؤال المطروح الآن في كل الأوساط هو: هل سيؤدي هذا الحوار بين «الحزب» و»المستقبل» والحوارات الأخرى المرتقبة الى نتائج سريعة ويُشرع في ترجمتها حلولاً للأزمة؟
ليست لدى برّي، ولا لدى المتحاورين أنفسهم، أوهام بتحقيق نتائج سريعة، ولكن في الإمكان القول، حسب رئيس مجلس النواب، «أننا بدأنا». فالجلسات ستتواصل ويناقش فيها جدول الاعمال الذي حُدّد لها بما يمهّد الارضية الوفاقية، او التوافقية، لانتخاب رئيس جديد للجمهورية الذي سيكون عنوان السلطة الجديدة التي ستسود طوال السنوات الست من عهده، ويؤمل ان لا تكون سنوات عجاف كسنوات العهد الرئاسي السابق.
البداية ستكون وَقف الحملات الاعلامية والسجالات واعتماد خطاب سياسي وإعلامي توافقي يليق بالحوار ويوفّر له المناخ الهادئ حتى يتمكن من الخروج بالنتائج المرجوّة منه، وهي تحقيق الحل السياسي المنشود للأزمة اللبنانية في معزل عمّا يُعمل عليه في الخارج من حلول للأزمات الاقليمية التي ساهمت بتداعياتها، ولا تزال، في تأزيم الوضع في لبنان سياسياً وامنياً وطائفياً ومذهبياً.
أوّل غيث الحوار بشموليته، وليس بثنائيته او ثلاثيته أو أكثر، سيكون الاتفاق على انتخاب رئيس جمهورية توافقي، إلّا انّ هذا الانتخاب الذي كان في الامكان إمراره قبل بضعة أشهر بمعزل عن الارادات الخارجية التي كانت منشغلة بنفسها عن لبنان، بات يحتاج الى «كلمة السر» الاقليمية والدولية.
ولكن ما يبعث على التفاؤل بإمكان حصول هذا الانتخاب في لحظة سياسية ما، هو التلاقي السعودي ـ الايراني اللافت على تشجيع الحوار بين «حزب الله» و»المستقبل»، وكذلك كل حوار يحصل بين كلّ القوى السياسية في لبنان.