دخل رئيس الحكومة سعد الحريري، بعدما سبقته «القوات اللبنانية»، الى مرحلة الغضب جراء استفراد «التيار الوطني الحر» بالتسوية وتجييرها لـ«حزب الله»، وسواءٌ كان الحريري مدرِكاً ما ستؤول اليه الأمور أم لا، فإنّ النتائج تتكلّم عن نفسها، وهي تُوِّجت بلقاء وزير الخارجية جبران باسيل بنظيره السوري وليد المعلم في نيويورك، من دون التشاور مع رئيس الحكومة أو إعلامه مسبَقاً على الأقل.
وتجاوزاً لما تردّده اوساط 8 آذار عن أنّ اللقاء بين باسيل والمعلم كان منسّقاً مع الحريري، وعن أنّ باسيل المتفائل بتطبيع بين الحريري ودمشق نقل تحية من الحريري الى المعلم، فإنّ الوقائع تشير الى أنّ الحريري غضب من حصول اللقاء، من دون أن يسجّل موقفاً للجم ما حصل في اعتباره تطبيعاً يُراد إلصاقه بحكومته، التي يحتفظ فيها «حزب الله» بالاكثرية.
ولا تنفي اوساط سياسية أن يكون باسيل ذهب في تطوّعه الساعي الى تطبيع علاقة الحريري بدمشق الى اجتهاد شخصي، منطلقاً من العلاقة الوثيقة مع الحريري والتنسيق الدائم بينهما، إلّا انها تؤكّد أنّ رئيس الحكومة بدأ يتعرّض لاختبار حقيقي فرضه حليفه العوني الساعي الى تنفيذ توجّهٍ لـ«حزب الله»، بضرورة استعادة العلاقة اللبنانية مع النظام السوري، كما كانت قبل العام 2011، او ربما قبل العام 2005.
هذا السير المتسارع نحو التطبيع، وجد صدىً سيئاً في اوساط «المستقبل»، عبّر عنه وزير الداخلية نهاد المشنوق، الذي وضعه في خانة الاعتداء على رئيس الحكومة، ثم عاد وخفّف من وقعه مبدياً الحرص على بقاء الحكومة.
ويُنقل عن أحد أقطاب «المستقبل» وصفه لقاء باسيل والمعلم بأنه خرق لكل الخطوط الحمر، وتجاوز لمبدأ «النأي بالنفس»، والأخطر كما يقول إنه يضع الحريري في موقف صعب، فإما يُراد دفعه الى الاستقالة، أو الموافقة على التطبيع مع النظام السوري.
ويشير هذا القطب «المستقبلي» الى أنّ هناك خشية جدّية إذا ما واجه الحريري مسار التطبيع أن يتمّ تحميله مسؤولية تعطيل سلسلة الرتب والرواتب، ويحصل تحرّك منظّم في الشارع، يعرّضه الى ما تعرّض له الرئيس عمر كرامي، وهذا السيناريو هو الاخطر.
ويلاحظ القطب «المستقبلي» أنّ مواقف باسيل ولقاءه مع المعلم، باتت تتلاقى مع مواقف رئيس الجمهورية ميشال عون في شأن سلاح «حزب الله» والملف السوري، وهذه الموجة الواحدة تحاصر الحريري، وتضطره الى الاختيار بين خيارات صعبة، وهو ما يترك آثاراً سلبية على كل ما إتُّفِقَ عليه قبل انتخاب عون، كذلك ينقض كل الوعود التي قدّمها عون للحريري بأن يكون وسطياً، وأن يكون وسيطاً في العلاقة مع الحزب، قادراً على تعطيل أيّ اتّجاه الى اخذ لبنان الى سياسة المحاور.
ويضيف القطب نفسُه أنّ امتناع عون عن ترؤس جلسة الحكومة في موضوع السلسلة، يعكس رغبة في تحميل الحريري وحده مسؤولية عدم تطبيقها، وسط خشية من أنّ أيّ تأجيل لدفع السلسلة، ينطوي على مخاطرة بالنسبة الى رئيس الحكومة، لأنه لا يأمن أن يتمّ تمييع عقد جلسات لإقرار الموازنة ومن ضمنها السلسلة المؤجّلة، وعندها سيصبّ غضب الشارع على الحريري وحده، ولا يُستبعد أن يكون هذا السلوك جزءاً من عملية الضغط لكي يؤمن الحريري الغطاء للتطبيع مع النظام السوري، هذا التطبيع الذي يعدّ بمثابة انتحار سياسي لكل مَن يصمت عنه او يقدّم له الغطاء، خصوصاً في الشارع السنّي الذي يزداد رفضاً واعتراضاً على فقدان التوازن المستمر، بعدما وعد بتسوية رئاسية متوازنة، فيما بدا أنّ ما حصل لاحقاً كان مجرّد ترجمة لموازين قوى يُراد تعزيز أرجحيّتها لمصلحة «حزب الله» وفريقه.