حين بدأت روسيا عملياتها العسكرية المباشرة في سوريا في مطلع تشرين الأول الماضي، برزت مقاربات سياسية لبنانية للتدخل الروسي من زاوية انعكاساته الحتمية والحاسمة على لبنان وسعي البعض الى توظيف الوسائل التي يمكن ان يصب في خانة أفرقاء ضد مصلحة أفرقاء آخرين من باب أن هذا التدخل حصل من ضمن محور اقليمي معين داعم للنظام السوري وهو لا بد سينتهي الى تغليب هذا المحور وتعزيز فرص عدم هزيمته لا بل انتصاره. وقد خبت هذه الرهانات على هذا التدخل الى حد ما تبعاً لتطورات متسارعة اخذت الأمور في منحى آخر. اذ سارعت روسيا الى محاولة توظيف دينامية تدخلها العسكري وزخمه الميداني من جهة وفاعليته الاقليمية والدولية في محاولة اطلاق عملية سياسية كان ابرز مظاهرها جملة اجتماعات تمت الدعوة اليها في فيينا للاطراف المؤثرين أو الفاعلين في الحرب السورية. لكن مراقبين ديبلوماسيين لا يزالون يخشون على الوضع اللبناني من زاوية ان هذا التدخل يمكن ان يكون له انعكاساته السلبية على لبنان نسبة الى تداعيات الحرب السورية عليه على رغم تأكيد مراجع معنية أن التداعيات الميدانية تبدو محصورة أو مضبوطة الى حد بعيد. لكن في حادث سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء قبل عشرة أيام بدت مصر التي كانت من أبرز الدول العربية ولعلها الوحيدة التي رحبت بالتدخل الروسي في سوريا على غير ما ذهبت إليه الدول العربية في التحذير من مخاطر هذا التدخل وأبعاده، المسرح المتقدم لما يمكن أن يطاولها على قاعدة الانعكاسات السلبية للتدخل الروسي في سوريا والذي يمكن ان يظهر أو يتم التعبير عنه أيضاً في دول مجاورة أخرى في حال تعذر توجيه ضربات انتقامية في سوريا بالذات مثلاً.
ووجّه سقوط الطائرة الروسية انذارات اذا صح التعبير في اتجاهات عدة يطاول بعضها لبنان. اذ برز تساؤل أساسي في بعض الأوساط يتصل بما اذا كان يجب ان تتزايد المخاوف تبعاً لقاعدة الأضرار الجانبية التي يمكن ان يخضع لبنان لها نتيجة التدخل الروسي في سوريا أم ان استهداف مصر له اعتباراته وخصائصه من دون سائر الدول الأخرى، اولاً انطلاقاً من حيثيات داخلية مختلفة عن تلك التي يواجهها لبنان مثلاً كوجود خلايا ارهابية تقول السلطات المصرية انها تواجهها في سيناء خصوصاً وترتبط بتنظيم الدولة الاسلامية أو بتنظيمات مماثلة أو ان هناك فلتاناً “جهادياً” يصل الى مصر عبر ليبيا. ومع ان لا مصر جزمت بعد بعمل ارهابي ولا روسيا أيضاً لاعتبارات تتصل بكل منهما، لكن المخاوف الكبيرة التي أثارها إسقاط الطائرة الروسية أو تفجيرها وفق ما خلصت اليه الترجيحات حتى الآن اطلقت انذارات وتساؤلات من بينها ما اذا كان الاستهداف لروسيا عبر مصر هو استهداف لمصر بالذات أو هو استهداف لروسيا أو لاصابة عصفورين بحجر واحد باعتبار ان لكل من هذه الاحتمالات ابعاده. كما ان هذه المخاوف طاولت احتمالات ان يوجه الاستهداف رسالة الى جميع الدول المنضوية في الحرب ضد تنظيم الدولة الاسلامية على قاعدة امكان ان تكون اي دولة ساحة تستخدم متى امكن للانتقام أو الرد في حال التسليم جدلاً بان التنظيم أو احد فروعه هو المسؤول عن تفجير الطائرة. ويخشى ان ذلك لا يعفي لبنان من ان تسري عليه هذه المخاوف ما يفترض يقظة أكبر في ما يتصل بالوضع الأمني على جميع الصعد بما في ذلك أمن المطار خصوصاً أو إمكان حصول تداعيات تمس لبنان أكثر من الذي حصل حتى الآن تحت طائل تعميم المواجهات مع روسيا أو سواها من الدول. وكما ان مصر التي تواجه اصلاً تحديات كبيرة وباتت الخشية اكبر على اقتصادها مع الضربة الكارثية التي استهدفت اقتصادها ومصادرها السياحية التمويلية لهذا الاقتصاد، فان لبنان قد لا يكون أكثر مناعة على هذا الصعيد علماً ان تورط “حزب الله” في الحرب الى جانب النظام السوري قد رتب مخاطر كبيرة على لبنان عانى منها من خلال تفجيرات استهدفت مناطق الحزب ومناطق أخرى أيضاً.
فالأمر الأكثر وضوحاً مع مرور أكثر من شهر على التدخل الروسي في سوريا يتمثل بإقرار مصادر ديبلوماسية بازدياد احتمالات الانعكاسات السلبية للحرب السورية على لبنان بحيث تندرج من ضمن العامل الجديد الذي دخل على هذه الحرب اي التدخل الروسي خصوصاً مع اصطفاف هذا التدخل من ضمن محور يضم إيران التي تشكل مع “حزب الله” العسكر الذي يتحرك على الأرض دعماً للغارات التي تشنها الطائرات الروسية هو أمر لا يمكن نفيه. وهو عامل لم تتم المجاهرة به على أساس ان الوضع اللبناني حساس وهش على نحو بالغ وعلى أساس عدم الرغبة في صب الزيت على النار في وضع داخلي يشهد عجزاً لدى مجلس النواب عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية وأضيف إليه شلل في الحكومة على خلفية يمكن ان تزيد ايضاً من حمأة المشاعر الطائفية والمذهبية، على رغم عدم إخفاء البعض مخاوفه من ان نوعية الضربات التي كان يفترض انها ستستهدف تنظيم الدولة الاسلامية ربما قد تدفعه الى الهرب في اتجاه ملاذات أخرى أو محاولة الانتقام امتداداً الى لبنان ازاء سعي النظام السوري مدعوماً من التنظيمات الشيعية والإيرانية الى استرجاع السيطرة على مواقع حساسة.