Site icon IMLebanon

نهاية الأبد الأسدي

 

 

في 2013 أعلن أوباما التراجع عن قراره بإسقاط نظام الأسد والتخلّي عن خطوطه الحمر، كما التخلّي عن وعده السابق بعدم السماح بحماة أخرى. النتيجة كانت قرابة المليون قتيل وملايين النازحين وآلاف المفقودين والمعذبين حتى الموت في سجون الأسد. لم يكن ممكناً للثورة السورية آنذاك أن تنتصر بدون دعم خارجي في ظل إمكانيات الأسد العسكرية واستعداده اللامتناهي للقتل والدعم الإيراني ولاحقاً الروسي.

 

أتى اليوم هذا الدعم الخارجي من تركيا، وإن متأخراً، ليثبت ما كان يمكن أن تفعله المساعدة الخارجية الحقيقية لحراك داخلي يحظى أصلاً بتأييد شعبي عارم. مع الأسف كان كل هذا متاحاً منذ أكثر من عشر سنوات عندما هتف السوريون “يلاّ عجّل يا ناتو، بشّار خلصوا زيتاتو”. لم يكن هناك ضرورة لكل تلك الفظائع والعذابات التي عاشها السوريون.

 

سقوط نظام الأسد، المنتظر على أحرّ من جمر قلوب السوريين الذين ذاقوا مرارته مراراً وتكراراً، لا يعني أن سوريا ستتشكل تلقائياً كدولة ديمقراطية تعددية في المدى القريب. وليست هناك ضمانات بأنها ستكون كذلك في المدى البعيد. هذا الأمر يعتمد على تطورات وعوامل داخلية وخارجية يصعب القول بها من اليوم. لكن الأفق صار مفتوحاً.

 

سقوط نظام الأسد ومعه تراجُع، وربما انهيار، المشروع الإيراني في المنطقة، سيبدآن زمناً جديداً لنا ايضاً، نحن اللبنانيين، ويعتق اجتماعنا السياسي الهش من عبء أنظمة ثقيلة لا قدرة لنا عليها. وربما سيتحرر الفلسطينيون كذلك للمرة الأولى من أنظمة استبدادية جعلت دائماً من قضيتهم مطية لا تخدم إلا ديمومة تلك الأنظمة وتسلطها.

 

 

 

الأهم أن الكابوس الأسدي الأبدي قد أزيح عن صدر السوريين. الآن سيتمكنون أن يرووا قصصهم المظلمة في ضوء النهار السوري، أن يبكوا أحباءهم في المتاحف التي ستحكي مآسيهم وأن يمشوا في الشوارع والساحات التي سترتدي أسماءهم المسحوقة، وأن يكونوا “بشراً مو حيوانات”. هذا يكفي لكي نطير فرحاً بسقوط الأسد.

 

 

يبقى أن السوريين الآن أمام تحدٍ غير سهل لبناء مجتمع ونظام حكم جدير بتلك التضحيات والآلام. نظام تعددي يحترم حقوق الأفراد والجماعات بما فيها تلك التي حمت نظام الأسد وشاركته سلب الآخرين كراماتهم وحيواتهم. هذا ليس بالأمر البسيط ولا المتاح بيسر. فالأفراد والمجتمعات المعنّفة والمقهورة لا تخرج عادة سليمة معافاة، وغالباً ما ينتج العنف العميق الذي مورس عليها عنفاً مضاداً.

 

 

 

لقد علمتنا التجارب السابقة في هذه المنطقة أن المتشائمين هم من يربحون الرهان. لكن الأفق اليوم غير مغلق، فبخلاف تجربة العراق الفاشلة بعد إطاحة الولايات المتحدة نظام صدام حسين، يغيب اليوم، أو يتضاءل، دور النظام الإيراني المخرّب، والذي لعب دوراً مركزياً، بالتنسيق مع النظام السوري الآفل، في إجهاض أو تشويه مشروع الخلاص العراقي. أما في سوريا، فلعل الدور الخارجي الذي قد تلعبه تركيا والغرب بعد سقوط الأسد سيكون مساهماً في الدفع نحو بر أمان سوري ما، ونحو تأسيس مجتمع تحكمه ولو جزئياً قيم سياسية واجتماعية غير قائمة على قواعد الهيمنة والغلبة.

 

الآن يبدأ تاريخ سوري حقيقي خارج الأبد الأسدي. شيء لم نعرفه من قبل. فلا بأس بالأمل.