لا نكشف سراً ولا نقول جديداً إذا قلنا إنّ سائر «أجنحة» السلطة تراهن على وصول الثورة إلى الطريق المسدود. وبالرغم ممّا بين هذه الأجنحة من إختلاف في الرأي وخلاف في السياسة وتناقض كبير في الاستراتيجيا (…) فإنهم مجمعون على أنّ الحراك – الإنتفاضة – الثورة (سمّها ما شئت) لن تصل إلى نتيجة فعّالة في التغيير الجذري، أقلّه من حيث تحقيق الأهداف المعلنة والشعارات المرفوعة، والأهداف غير المعلنة أيضاً. لماذا؟
أولاً – لأنّ شيطنة بعض الشخصيات الحزبية والقيادية لا يؤثر البتة في شعبية المستهدفين. والعكس صحيح. فالتجربة اللبنانية، في تاريخنا الحديث تؤكّد على أنّ إرتفاع منسوب الحملات على شخصية ما يحوّلها إلى رمز في بيئتها. الرئيس المرحوم كميل شمعون كان رئيساً لامعاً وشعبيته كانت في مستوى الزعامة المعيّنة. وعندما تصاعدت الحملات عليه في نهاية عهده وبعد إنتهاء الولاية تحوّل إلى الزعيم الأكبر في بيئته. والحملات على الرئيس المرحوم الشهيد بشير الجميّل أدّت إلى إرتقائه إلى أرفع المستويات في تاريخ الزعامة المسيحية في لبنان إلخ. والحملة على الجنرال ميشال عون في العام 1990 وما تلاها من شيطنته إنتهت بأن فاز في إنتخابات 2005 بنسبة 82٪ من أصوات الناخبين في بيئته. والرئيس الشهيد المرحوم رفيق الحريري أدّت الحملات عليه إلى «إجتياحه» الإنتخابات النيابية في العام 2000 محققاً زعامة لم يسبقه إليها أحد.
ثانياً – إن للبنان حالاً فريدة وخصوصية لا مثيل لها في بلدان العالم قاطبة ناجمة عن دور المعادلة الداخلية والتوازن الداخلي وأي مسعى إلى تحقيق الخلل في هذه المعادلة (.. تغيير النظام مثلاً) لا يمكن أن يتحقق إلاّ بإنهاء أحد الأطياف دوراً ووجوداً وفاعلية. وهذا يستحيل من دون سقوط لبنان. وبالتالي فهو أمرٌ مستبعد.
ثالثاً – إن إسقاط النظام في لبنان يعني إسقاط التجربة الديموقراطية الوحيدة في المنطقة… صحيح أنّ هناك كمّاً هائلاً من الفساد المتغلغل في مفاصل الدولة كلّها: في السياسة. في الإدارة. في القضاء (…) ولكن النظام ليس هو المسؤول عن هذا الفساد. إنما المسؤول عنه هم الذين لا يطبّقون القوانين والأنظمة مرعية الإجراء. حتى ليصح القول إنّ الفساد هو في الأشخاص والنفوس وليس في النصوص على الإطلاق.
رابعاً – إن شعار «الشعب يريد إسقاط النظام» هو شعار رنّان ولكنه فارغ من أي مضمون ما لم يحدد رافعوه أي نظام يريدون. فأي نظام يراد له أن يكون بديلاً للنظام اللبناني البرلماني الديموقراطي الذي (ونكرّر) هو فريد في المنطقة. والذي حقق نمواً مذهلاً وإزدهاراً كبيراً في مختلف نواحي الحياة عندما كانت الطبقة الحاكمة تتحمل مسؤوليتها تجاه شعبها ووطنها ولم تكن مرتهنة إلى الخارج.
أ- هل يُراد نظام رئاسي؟ وهذا مستحيل مع التنوع اللبناني!
ب- هل يُراد نظام أكثري يكسر قاعدة التوافق التي قام عليها الكيان اللبناني خصوصاً بعد إتفاق الطائف؟
ج – هل يُراد نظام ديني؟ (…)
فليتفضل المطالبون بإسقاط النظام بإطلاع الشعب اللبناني على النظام البديل الذي يريدون، ثم يُعرض على إستفتاء شعبي تحت رقابة دولية محايدة وعندئذٍ يُبنى على الشيء مقتضاه.