Site icon IMLebanon

الحل يكمن في إسقاط النظام الطائفي

 

ان رفع بعض المجموعات شعارات وهتافات طائفية ومذهبية وفئوية في الشارع قد يدخل البلد في صراعات وحروب أهلية تشبه ما عانى منه لبنان خلال الحرب التي دامت 17 عاماً والتي راح ضحيتها عشرات الآلاف. فكما صرخ الذين هاجموا المتظاهرين في ساحة رياض الصلح منذ يومين، معرّفين عن هويتهم المذهبية اثناء احراق الخيم، خرج اول من امس عدد من الشبان وهم يطلقون شعارات مذهبية مضادة ويحملون رايات تيارهم. لكن، في المقابل، يسعى جزء كبير من المتظاهرين الى الحفاظ على الشعار الجامع والموحد، ويحاولون تحديد المطالب بشكل دقيق، وعلى رأسها مطلب رحيل النظام الطائفي الحاكم بسبب فشله في خدمة الناس، وبسبب الفساد المستشري في كل قطاعات الدولة تقريباً.

 

ان مطلب اسقاط النظام الطائفي وكل عهد او حكومة او تسوية او ترتيب مبني عليه هو مطلب مركزي محق لمعظم المتظاهرين والمتظاهرات في مختلف المناطق اللبنانية، خصوصاً للشباب منهم. ولا يجوز التراجع عن هذا المطلب مهما كلف الامر، لأن الطائفية هي أساس خراب البلد وانهيار الدولة وافتعال الحروب الداخلية اضعاف مقومات المجتمع للتصدي للعدو الإسرائيلي وبناء بلد يحلو العيش فيه بكرامة.

ان المحاصصة الطائفية المنتشرة كالطاعون في جميع القطاعات وفي هيكلية نظام الحكم ما هي الا ذريعة لحماية الفاسدين وناهبي المال العام. ولا يمكن لقاض يشغل مركزه بفضل وفائه لفئة ما ان يحاكم موظفاً من فئة أخرى. ولا يخفى عن أحد ان معظم القضاة محسوبون على أطراف فئوية طائفية مذهبية. وليس صحيحاً ما قيل عن تشكيلات قضائية بعيدة عن المحاصصات الطائفية والمذهبية، انما الادعاء بغير ذلك تضليل ومحاولة فاشلة لإخفاء المسبب الاساسي لغياب المساءلة والمحاسبة والملاحقة.

ان النظام المبني على فرز ومحاصصة الرؤساء والوزراء والقضاة والضباط والمدراء والموظفين بحسب انتماءاتهم الطائفية والمذهبية يجعلهم أوفياء لمصالح وزعماء هذه الطوائف والمذاهب لا لوطنهم الجامع. والحال حال كل من هم في السلطة اليوم من دون استثناء. هؤلاء مستعدون ان يتجاوزوا كل القوانين والمعايير الوظيفية والمهنية وحتى الأخلاقية بحجة حماية «حقوق» طوائفهم ومذاهبهم. وقد ظهر بعض هؤلاء بوضوح أمام أعين الجميع مساء أول من أمس من خلال رفع شعارات تستنكر استقالة الرئيس الحريري «السنّي» مقابل عذم استقالة الرئيس ميشال عون «المسيحي» والرئيس نبيه بري «الشيعي». بينما الحقيقة هي ان التظاهرات الضخمة في الشوارع والتي شارك فيها لبنانيون من كل الطوائف والمذاهب لم تجبر الحريري على الاستقالة لأنه «سني»، بل لأنه، هو وجميع الوزراء في حكومته على اختلاف طوائفهم، فاسدون وفاشلون في تقديم ابسط الخدمات للمواطنين والمواطنات الذين يعانون الازمة الاقتصادية الخانقة. ويطالب المتظاهرون اليوم برحيل الرئيسين ميشال عون ونبيه بري لا لأن الاول «مسيحي» والثاني «شيعي»، بل لأنهما على رأس هذا النظام الطائفي الفاشل والفاسد الذي يتحكم بالبلاد والعباد.

ان خلاص البلد يكمن في اسقاط النظام الطائفي، بينما يكمن خرابه في تثبيت الطائفية من خلال التلاعب بالشارع ورفع بعض المتظاهرين شعارات فئوية. ومن هنا أهمية توضيح شعار «كلن يعني كلن». «كلن» يعني جميع من هم في السلطة الحاكمة لأنها فاسدة وفاشلة وتتلطى خلف نظام المحاصصات الطائفية والمذهبية في جميع القطاعات. وليس صحيحاً ان هناك، في السلطة، أحزاباً سياسية تطرح برامج ومشاريع لمصلحة جميع المواطنين والمواطنات، بل هناك مع الأسف تشكيلات طائفية ومذهبية تسعى الى رعاية السنة والشيعة والموارنة والدروز والأرثوذوكس وغيرهم من الطوائف والمذاهب.

وقد تتأخر تسمية رئيس وزراء وأعضاء مجلس الوزراء لا لأن رئيس الجمهورية سيحتار من سيختار من بين الاكفاء والمؤهلين لتولي هذا المركز، بل لأنه سيحتار من أكثر تمثيلاً بين المنتمين الى المذهب السني، وكذلك كان الحال خلال تسمية المرشحين لرئاسة الجمهورية بالنسبة للأكثر تمثيلاً للمسيحيين (ودخل البلد يومها في فراغ طويل) ولمجلس النواب بالنسبة للتمثيل «الشيعي»، وكأن لكل طائفة ومذهب رئيساً، وليس رئيس لجميع اللبنانيين.

قد تتمكن القوى الحاكمة من قمع التظاهرات وترهيب الناس في الشارع. وقد تتشكل حكومة ويجرى تلميع صورتها باطلاق الوعود والحلول الشكلية. لكن كل ذلك سيبقى عملية تجميل فاشلة لنظام فاسد وفاشل بسبب قيامه على أساس الطائفية والمذهبية. فليرحل ولنبني الدولة المدنية العادلة التي تخدم جميع المواطنين، ولا تسأل عن انتماءاتهم الفئوية.

 

من ملف : الصراع على الحكومة