ترى أوساط ديبلوماسية في عاصمة كبيرة، أن انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، وانتخاب العماد ميشال عون تحديداً، جاء في إطار مناخ دولي وإقليمي مؤاتٍ وعبْر شبه تسوية خارجية انعكست قبولاً من الأفرقاء الداخليين بانتخاب عون رئيساً، وبالتالي، هناك حرص من الدول الفاعلة والتي لم تمانع في عملية الانتخاب، والتسهيل لحلحلة هذا الملف، على أن تعطي انطباعاً انها لم تتدخل في شأن داخلي لبناني. وجرى تظهير هذا التفاهم على أنه حصل بتسوية داخلية.
وتتوقع المصادر، أن يشهد لبنان حركة موفدين دوليين، إلا أنّ ذلك لم يتم فور الانتخاب، إنما بعد تسمية الرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة، فيزور هؤلاء لبنان للمباركة بانتخاب الرئيس، والوقوف على آخر الاتصالات والمشاورات في شأن تشكيل الحكومة وتوجهاتها وما ستتخذه من مواقف في ضوء البيان الوزاري الذي ستعتمده، ومن بين هؤلاء الموفدين نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف الذي سيستطلع بعد تسمية رئيس الحكومة، التوجهات التي ستعتمدها الحكومة وآفاق بيانها الوزاري والظروف اللبنانية، ويشدد على أهمية الاستقرار وان إنهاء الفراغ الرئاسي يأتي في هذا الإطار.
وتتوقف المصادر، عند الموقف الأميركي الذي صدر، مشيرة الى أنّ غموض هذا الموقف، وحيث يمكن وصفه بغير الحاسم، لا يعني لبنان فقط، إنما ينسحب على موقف الولايات المتحدة من الأزمة السورية، والوضع العراقي، ومشكلة اليمن. لكن ليس هناك من أدنى شك بأن التفاهمات الحاصلة خارجياً حول الرقّة وحلب في سوريا وحول الموصل في العراق، أثرت في السماح بتفاهم معيّن حول الملف اللبناني، فهناك إقرار روسي بإسقاط حلب، وقرار أميركي بإسقاط كل من الرقة والموصل، في إطار توزيع أدوار في الأماكن الملتهبة في المنطقة.
ولا تستغرب المصادر قبول أطراف لبنانية بعون، كانت في السابق لا تقبل به، وتقول ان ذلك جاء في سياق معادلة قبِلَ فيها الجميع، وأهميتها تكمن بعودة الحريري الى رئاسة الحكومة.
لذلك لا يتوقع أن تشهد المشاورات لتشكيل الحكومة تعثراً كبيراً، بل سينسحب التسهيل بحل التشكيل. لأن أي عرقلة تعتبر موجهة في الدرجة الأولى الى رئيس الجمهورية، انما في الوقت نفسه لا يمكن الاستهانة بالتوجهات لدى العديد من الأفرقاء للتشدد، من أجل تحسين الشروط، والحصول على مكتسبات مُرضية من خلال التشكيلة الحكومية.
وتفيد أوساط وزارية مطلعة، بأن هناك مؤشرات ايجابية متعلقة بتأليف الحكومة دون عقبات جدية، ومؤشرات سلبية قد تنذر بمطبات مخبأة، لكن التأييد العارم للتكليف من شأنه تسهيل أمور التأليف.
الغطاء الخارجي لإنجاز الملف الرئاسي موجود، لكنه، وفقاً للمصادر، ليس فولاذياً، بل غطاء ورقي. لكن لوحظ قبول خارجي بإنهاء الفراغ الرئاسي بهذه الطريقة، إنما من دون وجود حماسة دولية وعربية لافتة. ولوحظ أن إيران رحبت بالانتخاب، لكنها وفق معطيات معينة لم تكن لتفعل ما حصل في لبنان ولم يكن «حزب الله» مرتاحاً جداً بدوره، لكن حصول اتصالات خارجية خوفاً على الوضع الاقتصادي اللبناني، وعلى حسن سير المؤسسات الدستورية أدت الى انجاح الانتخاب.
مصادر ديبلوماسية واسعة الاطلاع، أفادت أن ليس هناك من معارضة أميركية، لانتخاب عون، ويمكن اعتبار المواقف الأميركية التي صدرت اشارة ايجابية لكنه لم يرتقِ الى الاهتمام القوي والمباشر، ولم يصل الى حد المتابعة اليومية. قد يعود الأمر للانشغال الأميركي بالاستحقاق الرئاسي لدى الدولة العظمى في الثامن من الجاري.
وتشير مصادر ديبلوماسية أخرى، الى أن المجتمع الدولي كان يهمه أن تنتهي الأزمة الرئاسية، وما حصل هو توافق داخلي لم تكن أية جهة ضده. هناك جهات متحمسة وجهات أقل تحمساً، لكن حصول التوافق الداخلي، لن يستطيع أي من الخارج الوقوف في وجهه، خصوصاً وأن لبنان ليس أولوية. فما يهم الخارج هو استمرار الاستقرار، وعمل المؤسسات يعزز فكرة الاستقرار، انما لا أحد يعرقل. المهم بالنسبة الى الخارج الآن تشكيل الحكومة الجديدة، واجراء الانتخابات النيابية في موعدها، ودون أي تأخير.