IMLebanon

الأوكسيجين “طار” واللبنانيون على “آخر نفس”

 

الدنيا “قايمة قاعدة” في لبنان بحثاً عمّا يمدّ العمر ببعض أوكسيجين الحياة، إما عبر آلة ضخّ الأوكسيجين في الجسم أو قياسه من خلال أجهزة تحديد نسبة الأوكسيجين عبر النبض oximeter. فالهلع “ضارب أطنابه” والسوق السوداء ناشطة والأسعار نار و”الستوكات” انتهت في المخازن، والمستشفيات أعلنت عدم إمكانية استيعاب المزيد ممن يدخلون الدرك الكوروني الصعب. فما هي حكاية هذه الآلات – الأمل التي يلهث اللبنانيون لاقتنائها قبل الدواء والخبز والرز والزيت؟

 

نبحث “بالسراج والفتيلة” بحثاً عن الأمل الأخير لاقتناء ما يمدّنا بالأوكسيجين في زمن خارت فيه كل قوى اللبنانيين وباتوا ينتظرون فحصاً يُنبئهم بأنهم أصبحوا “بوزيتيف” وقد يحتاجون، كما الكثيرين، الى هواء اصطناعي يُبقيهم أحياء. نتصل بشركة تلو شركة فنسمع جواباً واحداً: انتهى “الستوك” البارحة. انتهى أول البارحة. انتهى للتوّ. فماذا عن أجهزة التنفس التي ابتكرتها منذ آذار الماضي شركة نعمت افرام عبر “فينيكس إينيرجي” وهي صناعة لبنانية مئة في المئة؟ هل يمكننا اليوم أن نعلن للبنانيين أن الشركة قادرة على مدّ اللبنانيين القلقين بأجهزة تنفس في حال احتاجوا إليها؟ مدير عام شركة فينيكس إينيرجي ربيع الأسطا يحكي عمّا يُفرح وعمّا لا يُفرح: “فالشركة انطلقت منذ أيار الماضي في صناعة أجهزة التنفس التي تحتاجها غرف العناية الفائقة في المستشفيات، وهي صنعت حتى الآن نحو خمسين جهازاً، صدّرت منها 22 واحداً الى إيطاليا ودولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأميركية، غير أن لبنان، لبنان الرسمي، لم يطلب منها ولو واحداً” ويشرح “الجهاز الذي صنع في لبنان حاز على شهادات كثيرة بينها الأيزو وهو قد يستخدم في كل الحالات التي تحتاج الى تنفس إصطناعي في غرف العناية الفائقة، وقد اشترت منها، في السوق المحلي، جمعيات قدمتها الى مستشفيات لبنانية، أما الجهات الرسمية اللبنانية فلا!”.

 

بربكم ألا يدفعنا هذا الكلام الى الشعور بالحنق والغضب الشديدين؟ فنحن قلقون وهم يطلّون علينا لإخبارنا أن الوضع خطير و… نقطة على السطر! نعرف أنه خطير ولكن ماذا بعد؟ ماذا نفعل؟ وكيف نواجه؟ هناك، في شركة نعمت افرام، يتحدثون عن وجود قطع لصناعة خمسين جهاز تنفس إصطناعي جديداً، والشركة باشرت في تجميع 25 جهازاً ستصبح جاهزة في غضون أسبوعين. لكن، يجب أن يواكب استخدام هذه الأجهزة وجود أسرّة في العناية الخاصة الفائقة. “فالجهاز وحده لا يفيد إلا إذا ترافق مع سرير وجهاز تمريضي، ضمن حلقة متكاملة”. في كل حال، ولمن يهمه الأمر، نجحت الشركة اللبنانية في صناعة جهاز التنفس هذا وفي صناعة ماكينات قادرة على إنتاج 600 قناع طبي في الدقيقة الواحدة، بدل الجهاز الصيني الذي كان يصنع 70 قناعاً فقط في الدقيقة الواحدة، وفي إعداد دراسة شاملة حول كيفية إنشاء مستشفيات ميدانية خاصة بكورونا حسب مواصفات منظمة الصحة العالمية. ولكن، الدراسة تستمر مجرد دراسة لأن لا أحد اهتم بها من الجهات الرسمية اللبنانية. يعني مصيرنا ليس مضيئاً. نعرف هذا طبعاً لكن حين نسمع من المعنيين نخاف أكثر.

 

تصل يومياً عشرات الإتصالات من المواطنين اللبنانيين يسألون عن أجهزة الأوكسيجين الصغيرة التي قد يحتاجونها، لأنها، بحسب أسطا “خط الدفاع الأول للمصابين بكورونا ممن قد يحتاجون الى هواء إصطناعي، لكن الشركة لا تصنّعها. والسؤال: ماذا عن أسعار تلك الأجهزة الإصطناعية لزوم العناية المشددة؟ يجيب أسطا “هناك سعران، سعر للسوق المحلية مدعوم من نعمت افرام، هو عشرة آلاف دولار، وهناك سعر بيعها الى الخارج. في كل حال، ولمن يهمه الأمر أيضاً، سعر نفس الجهاز، بنفس المواصفات، المستورد من إيطاليا 28 ألف دولار”.

 

فلنبحث عن أجهزة الأوكسيجين الصغيرة التي يتهافت عليها اللبنانيون اليوم. من يملكها؟ كم سعرها؟ هل حياتها متاحة؟ مدير شركة “تركواز للأجهزة الطبية” رامي أنطونيوس مصاب بكورونا هو أيضاً ويتحدث من حجره “انقطعت هذه الأجهزة منذ ثلاثة أيام بالكامل. كنا نؤجر هذه الأجهزة ونستردها أما الآن فالطلب على شرائها كثير. ونحن تقدمنا بطلب لشراء “ستوك” جديد لكنه يحتاج إلى فترة تتراوح بين أسبوع وعشرة أيام ليصل، وهناك أكثر من مئة طلب سجّل أصحابها أسماءهم للحصول عليها” ويستطرد بالقول “كان لدينا أكثر من مئتي جهاز “طارت” في ثلاثة أسابيع، في حين لم يكن الطلب يتجاوز 15 جهازاً في الأسبوع الواحد. كانت شركتنا تستورد من الولايات المتحدة الأميركية لكن أميركا أوقفت تصدير هذه الأجهزة منذ ثلاثة أشهر، لذا الشحنة المقبلة ستأتي من الصين. الأهم أن يحصل عليها اللبنانيون وتلبي احتياجاتهم”.

 

السوق اللبنانية “فلتت” في هذا الموضوع أيضاً. والسوق السوداء أصبحت تتحكم بالأسعار. فبعدما كان سعر الجهاز لا يزيد عن 800 دولار أصبح يزيد في السوق السوداء عن 1300 دولار. أما الشركات فلم ترفع أسعارها إلا بقدر كلفة الشحن عبر الطائرة والتي تبلغ بين مئة ومئة وأربعين دولاراً على الجهاز الواحد، كون الجهاز ثقيل الوزن، والشحنات باتت تأتي في الطائرة لأن الشحن عبر البحر يستغرق نحو شهر ونصف الشهر، ولا يستطيع المواطنون ان ينتظروا.

 

شركة ثانية للأوكسيجين والأستيلين (فضّل صاحبها عدم نشر اسمه) “نفّقت” أيضاً كل “الستوك”، وهي اليوم طلبت شحنة لقطع أجهزة التنفس التي كانت معطلة من أجل إعادة “إحيائها” وإصلاحها. هذه الشركة تتحرى عمن يشتري قبل عملية البيع “لأن السوق السوداء “تلتهم” كل الستوكات في السوق المحلية وتعرضها عبر “OLX” وتبيع الأجهزة بأسعار اكثر من مضاعفة. والجهاز الذي كان يباع بخمسمائة دولار أصبح بألف وثلاثمئة. والخير طبعاً لقدام. لن نقول لو كانت لدينا دولة لما فعل تجار السوق السوداء ذلك، لأن الأحرى أن نقول أنه لو كانت لدينا دولة لما وصلنا الى هذا الدرك الذي نستجدي فيه “هواء إصطناعياً”!

 

ماذا عن الأوكسيميتر؟ ماذا عن قلق اللبنانيين على النبض والأوكسيجين والبقاء؟ نقلّب بين إعلانات OLX فنلاحظ إزدهار تجارة كل ما يمت الى الأوكسيجين بصلة. فأسعار الأجهزة “تربلت” والتحذير حاضر دائماً من المعلنين: آخر قطعة! وكأنهم يحذرون الشارين: إنه آخر نفس. نبحث عن صناعة الأوكسيميتر فنرى هذا الجهاز الصغير صناعة الصين والهند وألمانيا واليابان والولايات المتحدة الأميركية وكندا وبريطانيا وإيطاليا. نبحث عنه في صيدليات لبنان فلا نجد إلا نوعين: صناعة صينية، والصيني أبواب، وصناعة أميركية. سعر الصيني، الباب الأخير، 90 ألفاً وسعر الأميركي، الباب الأخير، 325 ألفاً. والسعر يرتفع يومياً والبضاعة شبه مفقودة. إيلي أ. يبيع أجهزة الأوكسيجين وأوكسيميتر ويحذر: “هناك من يبيعون اليوم أجهزة قياس الأوكسيجين، التي يحتاج إليها من يصابون بالفيروس وتتدهور حالاتهم، بعشرة دولارات أو أقل وهذا خطير لأن ألـ “sensor” لا يكون دقيقاً ما قد يُقحم المرضى في متاهات. فالجهاز الواحد، الصيني، الجيد غير موجود بأقل من خمسين دولاراً أميركياً أما الأميركي فيزيد سعره عن 120 دولاراً”. تتدحرج الحجارة فوق رؤوس اللبنانيين “دبشاً” وهم يلهثون من أجل البقاء من خلال جهاز ينفث في رئاتهم بعض الهواء.

 

نجول أكثر بين من امتهنوا تجارة أجهزة الأوكسيجين وبين الدول المصنعة والأسعار التي تحلق “بلا أحم ولا دستور” فنسمع من أكثر من جهة عن أجهزة أوكسيجين بدأت تصل الى لبنان إيرانية المنشأ وبأسعار تزيد عن 700 دولار للجهاز الواحد. ويتحدّث مروّجوها ويسهبون في الإشادة بأهمية هذه الأجهزة في “أكسجة” الأنسجة وهو امر جد ضروري لجميع الوظائف الفيزيولوجية الطبيعية. إذاً، السوق مفتوحة على الغرب والشرق واللبنانيون ما عادوا يسألون: من وين؟ إنتاج أي بلد؟ فكل همهم الحصول على جهاز يعينهم في الأوقات الأكثر صعوبة! اللبنانيون توجهوا أيضاً نحو “علي إكسبرس” لحجز جهاز أوكسيجين، لكن، الشحن والتسليم يستغرقان وقتاً واللبنانيون، بنسبة 99 في المئة، فقدوا رفاهية الوقت.

 

لا مبرر منطقياً للهجوم على شراء جهاز قياس “التأكسج النبضي” ولا جهاز مدّ الشرايين بالأوكسيجين؟ هذا الكلام قد يكون صحيحاً في بلادٍ لا يطل من يُسمى فيها “المسؤول” ليُنذر بسقوط البلاد والعباد في الخطر، لكننا في بقعة جغرافية تُلقى فيها كل التبعات، حتى نسبة الشهيق والزفير، على المواطنين المساكين. نلوم من يتهافتون على الشراء؟ لا، لأنهم أولاً لبنانيون ولأنهم مضطرون للتنبه الى نسبة بروتين الهيموغلوبين في الكريات الحمراء الذي يحتوي على عنصر الحديد والمسؤول عن حمل الأوكسيجين الى الرئتين. وثالثاً، لأن البلد تفلت من كل مقومات الدولة وأصبح الشاطر بشطارته، فإما يُسارع الى نجدة نفسه وإما يختنق!