كل شيء قابل للاستغلال والاحتكار والتزوير حتى «جرعة» الأوكسيجين. يومياً، وعبر مختلف قنوات التواصل، مناشدات من ذوي مرضى بحاجة إلى أجهزة تنفّس في ظل ارتفاع خيالي لأسعارها، بسبب احتكار التجار والتهافت غير المسبوق على شراء هذه الأجهزة وتخزينها. وفيما تتدهور حالات كثيرين، يكفي توافر هذه الأجهزة لهم ليحول دون دخولهم إلى المستشفيات أو خسارة حياتهم في مرحلة هي الأخطر من تفشي الوباء مع تصاعد عدّاد الموتى.
منذ مطلع السنة، ومع تزايد انتشار الوباء، بدأ التهافت على شراء أجهزة مكثّفات الأوكسيجينOxygen) Concentrator) التي تولّد الأوكسيجين، وعلى أسطوانات الأوكسيجين التي تعاد تعبئتها. بحسب الأسعار، يمكن الاستنتاج بسهولة أن من يشترون هم من الميسورين غالباً. وبحسب بعض التجار، كثيرون من هؤلاء لا يحتاجون إليها، لكنهم يخزّنونها وقائياً لـ«وقت العازة». حمّى الطلب دفعت بعض التجار إلى «قشّ» الأجهزة من الوكلاء ورفع أسعارها بشكل خيالي. فالجهاز الذي يولّد الأوكسيجين من صنع أميركي، مثلاً، قفز سعره من 850 دولاراً إلى أكثر من 2000 دولار. وارتفعت أسعار الأجهزة الصينية من 300 دولار إلى أكثر من 1000، علماً بأن الطلب في الأحوال العادية كان على استئجار هذه الأجهزة (كانت تؤجر بـ 150 ألف ليرة شهرياً ويشتريها فقط من يحتاج إليها بشكل مزمن).
أما الأسطوانات (قوارير غاز الأوكسيجين) فتباع حالياً مع الحديد والساعة بنحو 400 دولار بعدما كانت في الماضي مخصصة للاستئجار فقط. وتؤكد مصادر متخصصة أن هذه العبوات لا يمكن تصنيعها إلا في معامل خاصة في الخارج لأنها «دقيقة وتعبأ تحت ضغط عال جداً»، ولا تنفع تعبئتها في الورش كما يجري حالياً. ويتراوح سعر تعبئة الغاز للأسطوانات المتداولة منزلياً بين 15 و150 ألف ليرة بحسب سعة العبوة. لكن التجار يؤجرونها «على مزاجهم»، إذ يصل إيجار العبوة يومياً إلى نحو 500 ألف ليرة.
المدير التجاري لشركة الأوكسيجين «سوال» (soal ) جورج كوفدارالي قال لـ«الأخبار» إن الطلب على الأجهزة «غير واقعي، ولا يعكس حاجة المرضى. إذ إن عدداً كبيراً من الطلبات اليوم يأتي تحسّباً ونتيجة الخوف مع امتلاء غرف العناية في المستشفيات»، لافتاً إلى أنه «عندما اشترطنا أن يقدّم المشتري وصفة طبية أو ورقة تثبت الإصابة بالفيروس، ألغى نحو نصف المشترين طلباتهم». كوفدارالي أكّد «أننا لا نزال، منذ خمس سنوات، نبيع الأجهزة بالسعر نفسه البالغ 850 دولاراً. لكن بعض التجار أفرغوا السوق من الأجهزة، ما رفع أسعارها أضعافاً».
بحسب الأسعار، يمكن الاستنتاج أن من يشترون هم من الميسورين
وشدّد على «أننا نركز على البيع للجمعيات والبلديات وعلى التأجير». غير أن رفع الأسعار ليس المشكلة الوحيدة في «سوق الأوكسيجين»، إذ إن بعض الأجهزة مزوّر، ومنها ما ليس أكثر من «كومبرسور» يعيد ضخّ الهواء بدل الأوكسيجين، إضافة إلى أجهزة مستعملة لا تعطي نقاوة الأوكسيجين المطلوبة، وأجهزة مهرّبة من دون كفالة تضمن صيانتها المكلفة في حال تعطّلها. وهو ما دفع رئيسة تجمع نقابة مستوردي المعدات والأدوات الطبية سلمى عاصي الى التحذير من التزوير في أجهزة الأوكسيجين واستئجارها من خارج لائحة الشركات التي وضعتها النقابة.
ومعلوم أن مكثفات الأوكسيجين قد تكون مناسبة لمن لا يعانون مشاكل صحية مزمنة، إذ إن قدرتها تصل إلى 5 ليترات في الدقيقة. أما من يعانون من أمراض مزمنة، فقد لا تكون هذه الكمية كافية لهم، ولا تحول دون حاجتهم إلى العناية المركزة في المستشفيات، حيث الأجهزة القادرة على ضخ ما يصل الى 30 ليتراً من الأوكسيجين في الدقيقة.
في ظل «انقطاع» أجهزة التنفس، سُجّلت مبادرات عدة لتوفير أجهزة الأوكسيجين لمن يحتاجون إليه من دون تحميلهم أعباء اقتصادية كبيرة. من هذه المبادرات تخصيص الصليب الأحمر اللبناني خطاً ساخناً (1760) لإعارة ماكينة أو أسطوانة أوكسيجين. كما بدأت بلديات عدة، كالغبيري وزحلة وتعنايل وشكا والدكوانة وغيرها، بتأمين الأجهزة مجاناً لمن يحتاج إليها بعد ملء استمارة خاصة وإبراز وصفة طبيب ليعاد إعارتها بعد الانتهاء إلى مريض آخر