جلسة البيان الوزاري: حكومة مطمئنة على الثقة ورشقات المعارضة لن تكون مميتة
المجتمع الدولي بصدد منح الحكومة فرصة ليست طويلة لتنفيذ إصلاحات قبل تقديم أي مساعدات
تتهيأ حكومة الرئيس حسان دياب لخوض غمار المواجهة الأولى مع مجلس النواب، متسلحة في معركتها هذه بالبيان الوزاري الذي حاكته بعناية مركزة ليأتي متطابقاً ومتطلبات الشارع من جهة، واحتواء الأزمة الاقتصادية والنقدية وفرملة اندفاعها باتجاه الأسوأ.
وإذا كانت هذه الحكومة قد واجهت البرلمان في «اللامعركة» الموازنة بشخص رئيسها وحيداً فريداً متجنبة مواجهة أول الطريق وإن طالتها في تلك الجلسة بعض الرشقات المتقطعة من نواب «المستقبل»، فإنه من المنتظر ان تكون المواجهة هذه المرة أكثر حدة، حيث أعلنت الكتل النيابية المعارضة التي قاطعت جلسة الموازنة بأنها ستحضر جلسة البيان الوزاري، لا لشيء إلا لتوجيه بعض الكدمات المؤلمة للحكومة عن طريق التوقع لها بالفشل في معالجة الأزمات المفتوحة على أكثر من صعيد، ومن ثم إعلان حجب الثقة عنها، وكأن المعارضة تريد من حضور هذه الجلسة القول للحكومة بأنك ليست وحدك، واننا سنكون لك بالمرصاد في مراقبة عملك وتحميلك المسؤولية في حال فشلت في مقاربة الملفات المطروحة ومعالجتها.
بطبيعة الحال فإن الحكومة على دراية تامة بما يحضّر لها تحت قبة البرلمان خلال مثولها امام النواب لنيل ثقتهم على أساس البيان الوزاري، وهي اعدت العدة اللازمة للمواجهة متسلحة أولاً بوجود أكثرية نيابية إلى جانبها وبالتالي لا تخاف من سقوطها بضربة حجب الثقة، وثانياً بالاجراءات التي ضمنتها بنود البيان من النواحي السياسية والاقتصادية والمسائل الخارجية، وهي بالتأكيد ستطلب مهلة قد تكون ثلاثة أو أربعة أشهر لتنفيذ أكبر قدر ممكن من الوعود التي أتت على ذكرها في البيان الوزاري.
لا شك ان في ظل الانشطار السياسي الموجود داخل مجلس النواب ومحاولة البعض استغلال حراك الشارع، سيزيدان من وطأة المواجهة التي مهما علا الصراخ فيها ستبقى مضبوطة على إيقاع يمنع انفلات الأمور من عقالها، لأنه في نهاية الأمر الحكومة ستخرج بالثقة المطلوبة التي تمكنها من الانصراف إلى عملها مهما كان منسوب الاعتراض عليها عالياً، خصوصاً وان معظم ما ظهر من مواقف دولية، وتسرب عبر القنوات الدبلوماسية يُؤكّد بأن المجتمع الدولي سيمنح الحكومة الفرصة لتنفيذ ما هو مطلوب منها على المستويين الاقتصادي والمالي، وهذه الفرصة ستكون متزامنة مع رصد شديد خصوصاً من الدول المانحة التي ستبقى تحث الحكومة على الولوج في عملية إصلاحية استثنائية تؤدي إلى وقف هدر المال العام، والتوجه نحو إتخاذ إجراءات تكون كفيلة بصرف أي مساعدات قد تأتي إلى لبنان في المكان الصحيح وبشكل شفاف بعيداً عن مزاريب الهدر والسرقات.
غير ان خروج الحكومة من البرلمان بالثقة المطلوبة لا يعني ان طريقها ستكون معبدة ومزروعة بالورود، فما ينتظرها من ملفات معقدة ومتنوعة سياسياً واقتصادياً ودولياً يتطلب منها بذل جهود مضنية في سبيل تجاوز المطبات والعقد الداخلية وإعادة اكتساب الثقة الدولية، وهذا بالطبع سيكون بعيد المنال ما لم تعمل مكونات الحكومة كفريق واحد متجانس يقفل الأبواب على أية ضغوطات سياسية أو مغريات مالية، وينصرف إلى مقاربة الملفات والاستحقاقات بشكل شفاف بعيداً عن أي إلتباس أو غموض لكل ذلك يجعلها تنجح في إعادة ثقة اللبنانيين بدولتهم ومن ثم عودة الثقة الدولية بلبنان بعد ان وصلت في المدة الأخيرة إلى أدنى مستوياتها.
وفي هذا السياق تؤكد مصادر سياسية ان ما يروّج له بأن هذه الحكومة ستكون حكومة تقطيع الوقت غير صحيح، لا بل ان هناك مغالاة في التوصيف إذ ان الحكومة التي ما تزال طرية العودة رسمت لنفسها خارطة طريق وقد وصفت في حساباتها ان تعمل أولاً وآخراً على إنقاذ لبنان من مأزقه الاقتصادي والمالي والعمل قدر الإمكان على استعادة الثقة الدولية التي من خلالها يستفيد لبنان من المساعدات والهبات الدولية ليتمكن من تنفيذ المشاريع الملحة التي بحاجة إليها البلاد، فالبيان الوزاري في العديد من نقاطه لا يشبه البيانات السابقة وهذا خير دليل على ان الحكومة راغبة في الابتعاد عن العمل الروتيني والانكباب على العمل من ضمن خطة إنقاذية حاكت بنودها بعناية فائقة لتكون جديرة بالثقة التي تسعى إليها على المستويين الداخلي والخارجي.
وحول الإجراءات التي ستتخذها الحكومة والتي توصف بأنها موجعة، تلفت المصادر النظر ان ما من دولة اصابها ما يصيب لبنان الا واتخذت إجراءات في بعض جوانبها كانت قاسية على المواطنين، غير ان مثل هكذا إجراءات حكماً لن تكون طويلة الأمد، وان الأمور تعود إلى طبيعتها شيئاً فشيئاً ما إن يطرأ تحسن على الوضع الاقتصادي والمالي، وان مثل هكذا إجراءات تكون مرفوضة في الأوضاع العادية، أم في ظل الأوضاع الاستثنائية بأنها تتخذ على قاعدة ان الضرورات تبيح المحظورات أو على قاعدة المثل القائل: «شو حبَّبَك بالمرّ قلّو الأمرّ».