IMLebanon

الميثاقية الاعتباطية والتصويتية الراشدة

مسعى رئيس الحكومة تمام سلام إلى إحياء التصويت في مجلس الوزراء يختصر الى حد كبير التحدّي الوطني العام، ذلك أنّ «الميثاقية» بما تفترضه من تأجيل كل أمر حتى انعقاد الإجماع الشامل حوله قد ابتُذلت أيّما ابتذال في هذا البلد. وأكثر من ذلك، من أدمن التلطي وراءها لشل عمل المؤسسات متسبباً بالفراغ أو التعطيل في هذه والشغور في تلك، لا تعود «الميثاقية» تعني له شيئاً حين يتعلّق الأمر بالقضايا التي هي في تعريفها ميثاقية، كمثل تقرير حال الحرب من حال السلم، وكل ما يتصل بمنظومة العنف على الأرض اللبنانية. هنا، «الألترا – ميثاقيون» في القضايا الجزئية يتحوّلون الى «لا ميثاقيين» بافتخار وعنجهية عندما يتّصل الأمر بالقضايا الكلّية.

بطبيعة الحال، انعدام التوازن بين المجموعات اللبنانية على صعيد التعبئة المسلحة والجهوزية للعنف هو المصدر الرئيسي لهذا الفهم المقلوب للميثاقية. لكن هذا الفهم بالمقلوب استفاد أيضاً من ثقافة سياسية مزمنة في لبنان، تعاملت دائماً مع التزكية في الانتخاب على أنّها فضيلة، ومع الانتخاب نفسه على أنّه «معركة»، وليس فقط على سبيل التشبيه، بل على سبيل الايحاء الجدي بسفك الدم. وعن هذا تفرّعت مشكلة خطيرة بعد الحرب ظلت تستفحل الى يومنا هذا.

المشكلة الخطيرة قوامها مطالبة سائر الفرقاء بقانون انتخابي يضمن صحة التمثيل، ثم حيرتهم أمام المعيار الذي يضمن هكذا صحة، كل يريد أن يقرّب الحساب الانتخابي الى حظوظه. ما غاب في كل هذا هو التشديد على قانون انتخابي يضمن التداول على السلطة، أي يضمن حيوية المواجهة الانتخابية. وهكذا، مع القانون الارثوذكسي وصلت بدعة «صحة التمثيل» الى اقصاها: كل طائفة تنتخب نوابها. وكان واضحاً ان هذا المشروع استحضر لتأجيل فكرة الانتخابات في لبنان لسنوات. لا يوجد قانون انتخابي جدي يضمن صحة تمثيل سابق عليه. القانون الانتخابي عليه ان ينتج الأحجام الانتخابية نفسها. وإلا علامَ يعذّب النواب أنفسهم ويتقدّمون ببرامج أو وعود، وعلامَ الدعاية والاعلان الانتخابيان، اذا كانت احجامهم ثابتة وليس للقانون من وظيفة غير وزن الحجم الثابت للمرشح الفلاني بالدقة التي يتوخاها هو؟

بالتأكيد المسألة التي بحثها مجلس الوزراء فرعية. تتعلق بسير العمل على طاولته. لكنها تفتح على شتى المسائل، على كل الحقول المصابة بهذه «الميثاقية التعطيلية» التي هي «لا ميثاقية بامتياز» حين يتصل الموضوع بالسلاح والعنف والحرب.

لكن أهمية ما يطرحه سلام أنه يأتي في وقت يرزح فيه البلد في زمن مصيبتين جراء هذه «الميثاقية اللاميثاقية»: واحدة متصلة بالمجهول الانتخابي بعد «القانون الارثوذكسي» وما نتج عنه من تمديدين للبرلمان. وثانية متصلة بالمجهول الرئاسي. فبدلاً من أن يكون لـ»الميثاقية» حدّ ينظمها وتلازمه عندما يتعلّق الأمر بانتخاب رئيس يسوّغ أربابها تفريغ المنصب الأول في الدولة، الى أجل غير مسمّى، بحجة أنه ينبغي انتظار الإجماع حول المسألة، إنما طبعاً الاجماع بشروط «الميثاقيين اللاميثاقيين» وبتوقيتهم، هذا في وقت لا يبخل فيه هؤلاء بأحاديث عن حاجة البلد لتأسيس دستوري جديد.

الديموقراطية الطائفية هي نوع هشّ وصعب من الديموقراطية التمثيلية. وقاعدة احتكامها الى الآليات الاقتراعية والتصويتية يمكن ان تضيق او تتسع. وقاعدة الاعتباطية فيها يمكن ان تضيع او تتسع. «الميثاقية الاعتباطية» تؤدي عملياً الى التضييق على الميثاقية الدستورية، اي على الميثاقية كما هي محددة في مقدمة الدستور وبعض من اولى مواده، والتي تتعلّق بالقضايا السيادية، ولا تسوّغ في أي منصب أو هيئة التفريغ والتعطيل حتى انعقاد الاجماع الميثاقي. فالدساتير ابتدعت أساساً كي لا يكون مثل هذا اللامنطق ممكناً.