IMLebanon

الميثاقيّة… بين النصّ والممارسة!

خلق الازمات وافتعالها وتضخيم حجمها، يبدو انها سياسة موضوعة بعناية لاغراق لبنان واللبنانيين في بحر من التعقيدات غير القابلة للحلّ الاّ بالطرق القيصرية، التي تكلّف الكثير من الآلام والاوجاع والخسائر غير المحدودة، ولا بأس من الاعتراف بأن هذه السياسة التي تقوم على ركائز عدة ابرزها تحليل الفساد وقوننته وتركه ينتشر في جميع مفاصل الدولة، وفي الوقت ذاته، تسعير المشاعر الطائفية والمذهبية من جهة، واستغلال التناقضات السياسية والوطنية من جهة ثانية، لتعميم الفوضى والفراغ والتعطيل في جميع مؤسسات الدولة واداراتها، قد نجحت الى حدّ كبير، يشهد عليها الخلافات الحادّة في الحكومة وفي هيئة الحوار، وامكان انهيارهما نهائياً في اي لحظة.

بمعزل عن انفجار ازمة النفايات مجدداً، والعودة الى قطع الطرقات لأسباب مطلبية أو امنية أو سياسية، دخل موضوع الميثاقية، عنصراً اضافياً في حالة ازدياد التوتر القائم بين رئيس مجلس الوزراء تمام سلام، ورئيس مجلس النواب نبيه بري من جهة، وبين التيار الوطني الحر وحزب الكتائب وحزب الطاشناق من جهة ثانية، ففي حين يعتبر برّي وسلام، ان لجوء التيار الوطني الى ورقة الميثاقية، انما يوظّف في معركة التيار لايصال العماد ميشال عون الى قصر بعبدا، ينفي الوزير جبران باسيل رئيس حزب التيار الوطني هذا الاتهام، ويشدّد ان كلّ ما طلبه من سلام وبرّي، هو اعطاء تفسير واضح وصريح لمعنى الميثاقية، ليبني بالتالي التيار الوطني موقفه من الشريك في الوطن تبعاً لهذا التفسير، ولمّا كان سلام وبرّي قد تجاهلا هذا الطلب، ولم يقدّما تفسيراً للميثاقية وفق قراءتهما لها، اضطر باسيل الى مقاطعة جلسات مجلس الوزراء، ووقف مشاركة حزبه في الحوار الوطني، وفي هذه النقطة تحديداً، هناك توافق ضمني من قبل احزاب القوات اللبنانية والكتائب اللبنانية والطاشناق، على وجوب الحصول على تعريف واضح ومقنع لمفهوم الميثاقية التي ترعى العلاقات بين الطوائف والمذاهب في لبنان، وفق الفقرة «ي» من مقدمة الدستور التي تنصّ على الآتي «لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك».

بري وسلام، من دون الرجوع الى مراجع دستورية، يزعمان ان الميثاقية موجودة ومؤمّنة في مجلس الوزراء من دون التيار الوطني الحر والكتائب والطاشناق، وبعدم وجود وزراء لحزب القوات اللبنانية، في حين ان الاحزاب الاربعة التي تمثلّ الاكثرية الساحقة من المسيحيين ترفض هذه «الفتوى» الملغومة، وتعتبر انها من العدّة الكيدية التي يتم التعامل بها مع المكوّن المسيحي.

*******

راعي الحوار نبيه بري، استبق انسحاب جبران باسيل من المشاركة في هيئة الحوار، واعلن تعليقه الى اجل غير مسمّى، فهل يمضي تمام سلام، في عقد جلسة لمجلس الوزراء يوم غد الخميس، في غياب اربعة وزراء مسيحيين، قد يتضامن معهم وزراء آخرون، او انه يلقي ماء بارداً على التوتر القائم بينه وبين فريق كبير من المسيحيين، ويؤجّل جلسة الغد لمزيد من التشاور والتواصل والتبريد؟

هناك فريق من السياسيين والمراقبين، يتخوّف من سرعة تدهور العلاقات اللبنانية ـ اللبنانية وامكان انهيار الدولة، في حين ان سياسيين آخرين يتابعون التحرّك الدولي، يعتقدون ان الامور لن تصل الى مرحلة الانفجار؟ لأن الانفجار في لبنان، يعني للدول العربية واوروبا والولايات المتحدة، ان عدة ملايين من النازحين السوريين والفلسطينيين ومن دول اخرى، سيدّقون ابوابها طلباً للحياة والنجاة من آتون جديد.