IMLebanon

لعنة الميثاقية …. ولعنة الفراعنة

«لعنة الفراعنة» بقيت حتى الأمس القريب الواقعة الأسطورية الوحيدة التي تعايش معها اللاوعي التاريخي والثقافي العالمي ومن ضمنه اللبناني طبعاً. يُروى أنّ لعنة الفراعنة لاحقت كلّ مكتشفي مقبرة الملك «توت عنخ آمون» الذين كان مصيرهم جميعاً الموت بطريقة غير مألوفة،  إذ تؤكّد مصادر عديدة  أنّه عند اكتشاف المقبرة على يد العالم البريطاني «هوارد كارتر» فی عام 1922، وُجدت عبارة شهيرة مكتوبة على إحدى الغرف «سيضرب الموت بجناحيه السامين كلّ من يعكر صفو الملك»، كما عُثر على تمثال في المقبرة يُقال إنّه تمثال مسحور مكتوب عليه» أنا حامي حمى قبر توت عنخ أمون وأطرد لصوص القبر بلهب الصحراء».

هذا في وادي النيل حيث نشأت أقدم حضارة في التاريخ، أما في لبنان فقد تفوّقنا على حضارة وادي النيل. أدخلنا في يوم واحد ثلاث لعنات على القاموس السياسي اللبناني …. الوزير جبران باسيل صاحب اللعنات الثلاث، الأولى ألقاها على مجلس الوزراء لأنهّ يعقد جلسة غير ميثاقية بغياب وزراء التيار الوطني الحر، واللعنة الثانية على مجلس النواب لأنّه يحاول اقتلاع التيار الوطني الحر بقانون انتخاب غير ميثاقي، واللعنة الثالثة على كلّ من يحاول أن يأتي برئيس غير العماد ميشال عون لأنّه المرشح الميثاقي الوحيد في لبنان. اللعنات استتبعت بالتهديد … «هم السابقون، وأنتم اللاحقون، رحمات الله على السابقين ولعنات الله على اللاحقين».

بإسم الميثاق والميثاقية أعادنا الوزير باسيل إلى ما قبل المسيح بثلاثة آلاف عام. القديم المتجدد هو  ادّعاء احتكار الميثاقية التي درج عليها التيار الوطني الحر والجديد هو استدعاء الميتافيزيقيا والغيبية في أسلوب التخاطب بما يتناقض مع العقلانية ومع أي يقين معرفي، ومخاطبة الآخر ليس من أجل إظهار الإختلاف الحقيقي معه بل لتهميشه والزعم باحتكار الحقيقة بعيداً عن أي مسوّغ دستوري.

الميثاقية ليست حكراً على أي مكوّن سياسي او أيّة طائفة من الطوائف ولا يمكن أن تكون كذلك. أجل ليس هناك حزب ميثاقي وآخر غير ميثاقي وليس هناك طائفة ميثاقية وأخرى غير ميثاقية. الميثاقية منطلقها وأساسها المواطن اللبناني المنتمي إلى اكثر من طائفة وإلى اكثر من حزب سياسي والذي أنتج هذه المكوّنات السياسية. الميثاقية مستمدة من المواطنية اللبنانية وحقائق التاريخ والجغرافيا وتراكم طويل من المعطيات المجتمعية ولا يمتلك أحد حصريتها، فيختار لمن يلبسها وعمن ينزعها، وهي ليست حكماً في متاهات الضياع والعجز والتصعيد في البيانات السياسية الحالية المتضاربة للطوائف والمذاهب. المواطنون هم قاعدة الإستلهام والقرار لكلّ صيغة سياسية ولكلّ عمل ليكون مشروعاً، فلا مشروعية لأيّ صيغة سياسية أو حق بقرار خارج إرادة الناس ومعطيات المجتمع. لبنان ليس بلد الطوائف التي اجتمعت فجعلت منه الوطن، بل هو هوية وطنية في طوائف متعددة، والميثاقية هي أن يكون الوطن في الطوائف أكثر مما هي الطوائف في الوطن. والميثاق الوطني اللبناني هو – تعريفاً – عهد تاريخي يأخذه اللبنانيون بمكوّناتهم كافة الوطنية والثقافية والمدنية والطائفية، بأن يعيشوه مرآة لوجودهم التاريخي وتطلعاتهم المستقبلية ونطاق ضمان لحرياتهم ولحقوقهم كافة كأفراد وجماعات. هذا هو الميثاق الوطني كما فهمه واضعوه وانطلقوا منه في منطقة عربية هم منها وهي منهم.

لعنات الوزير باسيل لن تتجاوز حدود الردود الإنفعالية  على انسداد الأفق السياسي نتيجة عدم القدرة على أخذ شركائه إلى مواجهة غير محسوبة لا تنسجم مع الظروف الإقليمية الصعبة التي يعيشونها ولا تتماشى مع حالة الترف السياسي والأهداف غير الموضوعية للتيار العوني. لعنات الوزير باسيل لن تدخل الإرث السياسي اللبناني شأنها شأن لعنة الفراعنة التي لم تكن جزءاً من الحضارة المصرية فجلّ ما تركه المصريون القدماء من نصوص كانت لتهديد وترهيب وتخويف اللصوص من الإقتراب والسطو على مقابرهم لسرقة كنوزهم اعتقاداً منهم بما يُسمى بالبعث عقب الموت كما أنّ سارقي المقابر الأثرية نشروا ما يسمی بلعنة الفراعنة بهدف الثراء فقط وليس الشهرة.

* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات