IMLebanon

«الميثاقية» ليست «مشاعاً»

مع بداية تراجع المطالبة بإقرار اقتراح قانون الانتخاب الأرثوذكسي قبل ما يزيد عن السنة، بدأ «سوق الميثاقية» بالازدهار، بعد أن أصبحت بضاعته مهيّأة لبيع كل ما يريده رجال السياسة والطوائف للتغلّب على الصعوبات القانونية وغير القانونية التي تعترضهم.

هذا المفهوم الفضفاض لا يمكن أن يكون دقيقاً. ويكفي القول إنه بمثل هذا الاعتبار، في حال صحته، تصبح عندها المسائل والقضايا التي تعطل درسها أو حُلّت بما قالت به «الميثاقية الجديدة»، هي القانون الأساسي الذي يجب الاستناد إليه والقانون النافذ الإجراء وهو الذي تتشكل منه الميثاقية التي هي من استثناءات النظام السياسي.

فالدستور نصّ في مقدمته على أن النظام المعتمد هو «البرلماني الديموقراطي» الذي يرتكز على مبادئ وقواعد أساسية تميّزه عن بقية الأنظمة، ومنها تكوين المجالس النيابية وتشكيل الحكومات وغيرهما. ولا بد من الإشارة هنا إلى ان الميثاقية في الدستور اللبناني، كما في الدساتير الأخرى، يفترض نشوؤها من استثناءات لأصول وقواعد النظام، وإضافة للنص الموجب يفترض وجوباً أن يكون صريحاً واضحاً لا يقبل اجتهاداً، والأهم أن لا يكون سقفه الزمني مفتوحاً لا حدّ له. لذلك يمكن القول إن المشترع الدستوري قد التزم بالمواصفات التي ينبثق منها وجود الميثاقية عندنا، باعتبار ان الدستور لم يلحظ ذكراً لاسم الميثاقية أبداً، مما أدى إلى القول إن النص الدستوري على «العيش المشترك» يعني الميثاقية أيضاً.

ففي الدستور مواد أساسية تظهر بها الميثاقية هي المادة 24 والمادتان 9 و10، المتعلقتان بحقوق الطوائف والموجبات المترتبة على الدولة تجاهها والحقوق المفروضة على الطوائف.

أما المادة 24 كما المادة 95 فلهما مواصفات الميثاقية. الأولى لكونها تفرض المساواة في عدد النواب بين المسيحيين والمسلمين، والثانية لكونها تفرض تمثيل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الحكومة.

واللافت أن المادتين 9 و10 قابلتان لاعتبارهما غير ميثاقيتين لكونهما لم تترافقا بسقف زمني ينتهي بحلوله مفاعيلهما، بينما المادة 24 كما المادة 95 مستكملتان شروط الميثاقية لجهة السقف الزمني الذي تنتهي به مفاعيلهما. فالمادة 24 عندما نصت على المناصفة وضعت السقف لنفاذها «إلى أن يضع مجلس النواب قانون انتخاب خارج القيد الطائفي». فعندما يتحقق ذلك تخسر المادة ميثاقيتها وتعود إلى حيث يجب أن تكون عملاً بمبادئ النظام. وكذلك المادة 95، فعندما قضت «بتمثيل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الحكومة»، توّجت ذلك باعتبارها «في المرحلة الانتقالية» المنصوص على مجرياتها في المقطع الأول من المادة والتي توصل إلى إلغاء الطائفية السياسية.

وما تجب الإشارة إليه هنا النص على «الطائفية السياسية» فقط، مما يجعل مفاعيل المادتين 9 و10 غير معنية بأي تأثير نتيجة تطبيق المادة، وهذا ما يشير أيضاً إلى رفض القول بميثاقيتهما. يبقى القول إن العمل بالميثاقية يقتضي بالضرورة الأمانة في فهمها من الذين يخضعون لها، وإذا لم تكن كذلك تتحوّل إلى أداة «داعشية» بعد أن وُضعت للتغلب على ما يمكن أن يحصل من عقد وعقبات تواجه الدولة والمواطن والمؤسسات. فهل ترتقي أمانتنا إلى مستوى فهمها؟