بعد الهجمات التفجيرية الجديدة بالامس وقبله، لم يعد بالامكان ادارة الحرب الدائرة حاليا مع العدو الاسرائيلي ،بعيدا عن الافكار والوسائل”الشيطانية”. التمسك بقواعد العمل العسكري والامني الاخلاقي، بعد جريمة الحرب في اليومين الماضيين لم يعد يجدي نفعا، وباتت الاولوية اليوم لوضع استراتيجيات الضربات “تحت الحزام” على الطاولة، والانطلاق الى التنفيذ دون سقوف ودون حسابات “عقلانية”. فما بعد تفجير “البيجرات” والاجهزة اللاسلكية غير ما قبله، ومن يعرف كيف تفكر قيادة حزب الله عن قرب، يدرك جيدا ان ثمة شيئا نوعيا غير مسبوق في الطريق الى التنفيذ، الامر محسوم والمسألة فقط مسالة وقت، لن يكون طويلا هذه المرة.
وما سيقوله الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله اليوم، لن يقبل اي التباس في وضوحه، فهو لن تنقصه شجاعة الاقرار بحجم الضربة المؤلمة، ولن تنقصه الشجاعة ايضا في الاعلان عن خارطة طريق المواجهة المفتوحة على كل المفاجآت. وفي الانتظار، تلفت اوساط مطلعة الى انه اذا كانت “إسرائيل” قد ارادت من هذه العملية إلحاق خسائر بعدوها الاقوى في المنطقة، فهي قد نجحت بلا شك بذلك، فالخسارة بشريا مؤلمة وكذلك المعنوية، لكن المفارقة كانت في ان اهتزاز القدرات العملياتية كانت قصيرة المدى، بعد الخلل الكبير الذي اصاب منظومة التحكّم والسيطرة، وقد تم مساء امس اعادة ربط كل الوحدات بعضها ببعض، وتم تجاوز الضربة لوجستيا.
وفي هذا السياق، فان العملية “الهوليودية”، وعلى الرغم من مفاعيلها النفسية المؤثرة، لا تعتبر نجاحاً إستراتيجياً “للاسرائيليين”، بل هو نجاح تكتيكي في محاولة لترميم الردع “الإسرائيلي”، غير أنها لن تدفع حزب الله الى وقف القتال على جبهة المساندة، ولن تعيد النازحين للمستوطنات الشمالية الخالية، والامر الاهم هو ان حزب الله ما يزال يحتفظ بقدراته القتالية الأساسية، وتجاوز عسكريا وامنيا “هول” مفاجأة التفجيرات، خصوصا ان “اسرائيل” لم تستفد من عامل المفاجأة لشن ضربة استباقية على طول الجبهة اللبنانية، ما يجعل من الجريمة “الامنية الناجحة” حادثا معزولا ، كان بالامكان ربما الاستفادة منه اكثر “اسرائيليا”.
وحتى الان لا معلومات جدية حول اسباب توقيت تنفيذ التفجيرات دون استثمارها ميدانيا، وهو ما ارجعته مصادر غربية الى خوف “اسرائيل” بوجود شكوك جدية لدى الحزب بوجود امر مريب في الاجهزة. مع العلم ان “اسرائيل” سبق واستخدمت هذه الضربات الاستباقية في بداية حرب 1967، حين استهدفت الطيران الحربي المصري في المطارات، وقد حاولت حسم المعركة من خلال محاولة سحق قوات شرطة حركة حماس في مطلع عملية “الرصاص المصبوب” نهاية 2008، كما انها حاولت عام 2021 ضرب قوات النخبة لدى الحركة، عندما استهدفت “مترو” الانفاق لاعتقادها انهم دخلوا اليها، لكن نتائج عمليتها المخادعة المباغتة فشلت حينها.
وفي هذا السياق، تبقى الكثير من الاسئلة دون اجوبة، التساؤل الكبير الذي يعمل عليها المعنيون انه لماذا تم شراء أجهزة من شركة في تايوان صنعت الاجهزة في المجر؟ والمتعارف عليه هو أنه رغم عدم وجود علاقات ديبلوماسية قائمة بين تايوان و”إسرائيل”، تمتلك الأخيرة مكتباً اقتصادياً في تايبي، يشرف على التعاون العلمي بين الطرفين، خاصة في مجال المعلوماتية. كما أن تايوان هي من المدن التي فيها مختلف أجهزة الاستخبارات العالمية، لا سيّما الكبرى، لمراقبة والتحكم في صناعة الأجهزة الرقمية الدقيقة.
ويبقى تفضيل من استورد الاجهزة لتايوان المخترقة من طرف الاستخبارات الغربية و”الموساد” بدل الصين، علامة استفهام كبيرة؟ اما الامر الاكثر غموضا فيبقى كيفية معرفة “الموساد” بوجهة الشحنة، وكذلك عدم القدرة على اكتشاف عبوات ناسفة زرعت في آلاف الأجهزة على الرغم من فحصها تقنيا؟!
وبانتظار الاجوبة، مع وجود احتمالات جدية بوجود تورط اميركي في التفجيرات، لم تخف وسائل الاعلام “الاسرائيلية” قلقها من تلك الاحداث، وعلى الرغم من “الاحتفالات” في الكيان، فهي اعتبرت ان ما حصل بمثابة اعلان حرب على حزب الله في عملية مأخوذة من أفلام الخيال العلمي، كما قالت صحيفة “يديعوت احرنوت” التي قالت “انه للأسف، فان الواقع لا يزال أكثر تعقيدا من الأفلام، لانه من المشكوك فيه أن يضبط الحزب رد فعله، والحرب الشاملة ستكون صعبة جدا على “إسرائيل”. فحزب الله ليس منظمة صغيرة، ولكنه جيش مع ترسانة من نحو 150 ألف صاروخ دقيق، ومجموعة متنوعة من الأسلحة الفتاكة، وقد لا يقتصر القتال بعد الآن على الحدود الشمالية”.
ويبقى السؤال الاهم الذي طرحته الصحيفة على الحكومة “الإسرائيلية” : ما هو الغرض من مثل هذه الحرب؟ وما الأهداف التي يمكن تحقيقها؟ وهل يمكن إعادة الهدوء إلى الحدود الشمالية وإبعاد حزب الله عنها؟
في الخلاصة، كل الترجيحات “الاسرائيلية” تشير الى ان الايام والاسابيع المقبلة ستشهد تصعيدا غير محدد المعالم، هم يتوقعون الاسوأ، بما في ذلك نطاق غير مسبوق لإطلاق الصواريخ والقذائف والطائرات بدون طيار على قواعد الجيش “الاسرائيلي”، وهجمات إلكترونية، فضلا عن احتمال تنشيط فرق موجودة في الجبهة الداخلية “الإسرائيلية” واستهداف البنية التحتية. اما حزب الله فيلتزم الصمت حيال ما سيقوم به عاجلا لا آجلا، بانتظار ان يضع السيد نصرالله اليوم “النقاط على الحروف”.